هل سيأتي يومٌ يجد فيه المواطن الأوروبي أنّ عدد السلفيين في بلاده انخفض قليلاً، وحين يبحث عن وجهتهم يجدهم في محرقة الأزمة السورية. وهل سيأتي اليوم الذي يجد فيه المواطن السوري أنه في صراع وجودي وإنساني في مواجهة الحالة التكفيرية، ليس في دولته فحسب، بل في مواجهة على كامل المشرق العربي أيضاً؟!أُعلنت الارض السورية أرض جهاد في كلمة سرّ لتحريك الجماعات التكفيرية من مختلف انحاء العالم، في وجهة تهدف إلى ضرب الدولة السورية ككيان، وليس فقط كنظام ولتعميق الانقسام داخل المجتمع السوري باستغلال العامل المذهبي وتحت عباءة فتاوى رجال الدين. هذه الجماعات هي أدوات، لكلّ من أرسلها غاية، فمنهم من يريد التخلص من وجود أفرادها في بلاده، وخاصة البلدان الاوروبية، ومنهم من يريد تهديم الاسلام المعتدل في بلاد الشام من قبل الفكر الوهابي المتطرف، المدعوم على نحو رئيسي من المملكة العربية السعودية.
طرق الجهاد إلى سوريا متنوعة، فقد عملت الاستخبارات التركية بالتعاون مع نظيراتها الأميركية والسعودية والقطرية على تدريب المجموعات المسلحة في منطقة وزيرستان شمال باكستان، حيث تعد تلك المنطقة مركزاً لقيادات العمليات إلى سوريا، حيث يجري تدريبهم وإرسالهم عبر الخطوط الجوية التركية إلى إقليم هاتاي (لواء الاسكندرون)، كما أن أوروبا لم تكن بعيدة عن هذا الطريق.
وصول المجاهدين من مختلف دول العالم له ثلاثة انعكاسات محلية ودولية. الارتداد الأول هو باتجاه الدول التي قدموا منها، فعودتهم إلى بلادهم لن تكون كيوم خروجهم منها. فعلى الرغم من محاولات الدول الداعمة للحركات المتطرفة الاستفادة منها على نحو تكتيكي إلا أنها قد تصاب بنكسة على المستوى الاستراتيجي، إذ إن التواصل المباشر مع مجموعات متطرفة مختلفة لن ينتهي يوم انتهاء القتال في سوريا. فألمانيا، التي رغم محاولتها تحييد نفسها عن الأحداث السورية، بدأت بحملات واسعة باتجاه السلفيين على أراضيها، وخاصة بعد إعدادهم لوائح اغتيال بحق السياسيين الألمان المعارضين لمدّ المقاتلين السوريين بالسلاح. وقد أشار مسؤول دائرة الاستخبارات الألمانية إلى أنّ حوالى 60 شخصاً غادروا الأراضي الألمانية باتجاه مصر، وشاركوا في معسكرات تدريبية للقتال في سوريا والصومال وليبيا واليمن. وفي بريطانيا التجربة لا تزال قريبة، فهجمات لندن في 7 تموز 2005 تمثل النكسة في شبكة العلاقات التي حاولت الاستخبارات البريطانية نسجها منذ عقود طويلة مع الحركات المتطرفة في العالم، من دعمها للاخوان المسلمين في مصر في أربعينيات القرن الماضي، إلى مساهمتها في إرسال مقاتلين جهاديين إلى يوغسلافيا وكوسوفو في التسعينيات. فقد انعكس هذا الدعم على لندن، إذ كان اثنان من منفذي التفجيرات فيها قد تلقوا تدريبهم في باكستان ضمن معسكرات تابعة لحركة «المجاهدين» التي استخدمت في أفغانستان لدحر الاتحاد السوفياتي السابق، وهي التي كانت مدعومة من الحكومة البريطانية، وقد حذر دي كيرشوف، مسؤول مكافحة الإرهاب لدى الاتحاد الأوروبي، من خطر عودة المقاتلين الأوروبيين من سوريا، فقال «إن جميع هؤلاء الأوروبيين، الذين قد يصل عددهم إلى 500 مقاتل، ليسوا متطرفين حين يغادرون دولهم، لكن الكثيرين منهم على الأرجح يعتنقون التطرف في سوريا ويتدربون هناك... ومن ثم فإنهم سيمثلون تهديداً خطيراً عندما يعودون من سوريا إلى دولهم».
الانعكاس الثاني هو صورة الرئيس بشار الأسد في كونه يحارب الارهاب العالمي على أرضه، وقد أعلن الأسد في أكثر من تصريح أنّ العمل على الأرض هو للقضاء على المجموعات المتطرفة، التي كان يحرص على نحو واضح على تسميتها القاعدة، كرسالة واضحة إلى المواطن الغربي الذي يشدّه اسم هذا التنظيم. وهذه الصورة ستنعكس إن تمت التسوية في تقديم صورة الرئيس الأسد للرأي العام الغربي على أنه من قاتل الارهاب المتمثل في تنظيم القاعدة.
الانعكاس الثالث هو ضمن الداخل السوري، فالأزمة أظهرت على السطح إمكانية انتشار الفكر المتطرف داخل المجتمع، مما يعطي إشارات مهمة إلى ضعف في الهوية السورية وهذا ما يطرح تساؤلا: هل كان إنشاء الآلاف من المساجد والمؤسسات الدينية، على حساب المئات من المؤسسات التعليمية والتربوية، هو الطريقة الأمثل لمواجهة الفكر المتطرف في البلاد؟ إنّ الصراع الفكري في المرحلة المقبلة هو لإعادة تثبيت وهيكلة الدولة المدنية في سوريا، وهذا يجري باستقلال السلطة السياسية عن السلطة الدينية، وهو استقلال لا إلغاء، وهو ما يتطلب وعياً سياسياً ينعكس على دستور الدولة وقوانينها، والعمل على ما لم يستطع حزب البعث تنفيذه مجتمعياً وهو التأسيس لمناهج تربوية في المؤسسات التعليمية تعتمد على مفهوم المواطنة والشخصية السورية، بحيث تصبح الدولة صورة عن المجتمع على نحو حقيقي وواقعي. إن هذا العمل يتطلب من القوى العلمانية في سوريا إدراك أنه ليس هناك تسوية وهدنة مع الحركات الدينية، وما سيجري تحقيقه سينعكس على كل المحيط المشرقي الذي يغلي بالطائفية والمذهبية والتطرف.
* كاتب لبناني