كريم راشد*أنا بعدُ حيٌّ فشكراً لربِّ السماءْ
وشكراً لرامي القذيفةِ
شكراً لجاري لـ«كاسة» شايهِ
تُخْسِرُني مشيتي هادئاً باتجاه المنيةِ
شكراً لموتٍ يمدِّد عمري..
لأعرف كم كنتُ مَيْتاً
وكم كنتُ أعمى
عن الورد والوِلْدِ
عن روح جاري النقية كالماءْ
وعن وشوشات الصباح وبوح المساءْ
وشكراً لمن يتركونني وحيداً
وحيداً كما غابة أو محيطْ
وحيداً وزادي معي:
قلبُ طفلٍ بريءْ
يشاغب.. يطغى
يجوع ويأسى
يحنُّ.. يئنُّ
يسبُّ.. يحبُّ
معي عشبة الخلدِ:
حين تقوم القيامة حولكَ
تصبح أحلى
يحلُّ السلام بروحكَ
لا البرد يغزو عظامكَ
لا الحرُّ يؤذيكَ
لا بخل جاركَ
لا خوفه أن يموت
وها أنتَ تدري:
انتهاء البداية حتمٌ
وبعد ضياء النهارات عتمٌ
وفي العيش ما يستحق العنايةَ:
بحراً لتسبح فيهِ
وروداً لعطر يديكَ
وابناً يريد اللعبْ
كتاباً.. روايهْ
و«فيلماً» بسيطاً لتضحك حتى التعبْ
وفي العيش ما يستحق العنايةَ ثانيةً ثانيهْ
فعش كالمغادر بعد دقائق بيتاً أليفاً
هنا الأرض ضاقتْ
هنا الأرض واسعةٌ للغناءْ
هنا الآن أمسٌ
وأشباح رمسٍ
هنا الآن شهوة خبزٍ
خفيفاً يمرُّ النهار بلا عابرينْ
نعدُّ القذائف والقنصَ
ندفن موتى بدون طقوس جنازهْ
فلا وقت للموت حزناً
ولا وقت للعيش للساعة الثانيهْ
فشكراً لرامي القذيفةِ
شكراً لربِّ السماء على هذه «العيشة الهانيهْ»..
مخيم اليرموك
6/2/2013

* كتبت القصيدة في يوم قصف عنيف شهده مخيم اليرموك.
هامش: الصديق حسين العبدالله (أبو أحمد) الذي حمتني دعوته لي لكاسة شاي في محله الصغير بحي التقدم مات منذ أكثر من شهر برصاص القنص، ودفن في مخيم اليرموك.