ككلمة سرّ علنية نطقها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في موسكو: إلى «جنيف2» دُرْ. واقعية أميركية جعلت إدارة الرئيس باراك أوباما تتشارك الصحن السوري مع الكرملين. الأفق المسدود دفع من قال لبشار الأسد بعد شهور قليلة من الأزمة «ارحل»، إلى الموافقة على مشاركة النظام في «حكومة انتقالية».
لم يكن كيري قد التحق بطائرته المغادرة الأراضي الروسية، حتى انهالت التصريحات المرحّبة بنتائج الزيارة، من دول «الأطلسي» إلى طهران مروراً بدمشق. صحيح أن التقارب الأميركي _ الروسي لا يزال في بدايته، وضمن خطوط عريضة قد تسقط عند أوّل مفترق، لكن الحراك الدولي يشي اليوم بانفراج لم نشهد مثله من قبل. ذلك واضح من كلام مصدر روسي، نقلته «روسيا اليوم»، عن استبعاده انعقاد مؤتمر دولي حول سوريا قبل نهاية شهر أيار، وأنّ هناك الكثير من الاختلافات، منها التمثيل في المؤتمر ومن هو شرعي وغير شرعي. المصدر رأى أنّ «من الواضح عدم إمكانية عقد المؤتمر دون ممثلين عن المعارضة، لكن السؤال: أيّ معارضة؟ نحن نرى أنّه لا يوجد (لدى المعارضة) هيئة موحدة يمكن بدء المباحثات معها لتطبيق الالتزامات في ما بعد».
هذا الكلام يحيلنا على حال «المعارضات» السورية. الجميع حلّ عليهم التفاهم الدولي الجديد بنداً محورياً على جداول أعمالهم من دون استئذان. كل طرف معارض يحاول اليوم «لمّ» أكبر عدد ممكن من الأحزاب والشخصيات المعارضة ليحوّلها إلى كتلة واسعة قد تحجز لها مقعداً في قطار الحلّ، بدءاً من «الائتلاف» الذي أنهى يوم أمس يومين من المشاورات لهيئته السياسية، قبل الاجتماع المقبل للهيئة العامة في إسطنبول، أيضاً، في 23 من الشهر الجاري.
بنود ثلاثة حضرت على جدول أعمال «الائتلاف»: الإعداد لانتخاب بديل من أحمد معاذ الخطيب مع هيئة رئاسية جديدة، ومسألة الحكومة الموقتة التي فشل غسان هيتو في تشكيلها، إضافة إلى مسألة توسيع إطار «الائتلاف» ليشمل أعضاءً جدداً، والبند الطارئ وهو المشاركة في مؤتمر جنيف 2. وقرّر الحاضرون حسمه في الاجتماع المقبل أيضاً.
أحد أعضاء الهيئة السياسية يروي لـ«الأخبار» أنّ مسألة توسيع «الائتلاف» تدور حول دخول 8 أعضاء جدد، في ما يعرف بمجموعة ميشال كيلو، ما يعني، بالتالي، عودة 8 أعضاء جمّدوا عضويتهم، لينضموا إلى 9 أعضاء ما زالوا في الائتلاف ليصبح عدد هذه الكتلة 25 شخصاً. محدّثنا يدرك جيداً أهمية هذه المسألة كونها تعني «إعادة التوازن» إلى الائتلاف الذي يغلب عليه «الطابع القطري» عبر أعضاء الاخوان المسلمين ومجموعة مصطفى الصباغ.
هذا التوازن سيسري أيضاً على مركز الرئاسة، إذ يروي القيادي السوري أنّ أسهم رئيس «المجلس الوطني» السابق برهان غليون مرتفعة لكونه «محطّ إجماع» معظم مكوّنات «الائتلاف»، في وقت يجري فيه البحث في أسماء جديدة لخلافة هيتو (كلّف في 18 آذار الماضي)، «الذي قطع المدّة الممنوحة، وأساساً انتخابه لم يكن عليه إجماع»، ليتداول اسم أحمد طعمة الذي شغل منصب أمين سر المجلس الوطني في «إعلان دمشق» (2005).
خالد الناصر، العضو في الهيئة السياسية يقول لـ«الأخبار» إنّنا في مرحلة «إعادة ترتيب أوراقنا»، معتبراً أنّ مسألة «جنيف2» وضعت مسألة الحكومة في خلفية المشهد الآني.
وضمن إطار هذا المؤتمر، الذي أضحى عنوان المشهد السوري، يروي أحد أعضاء الائتلاف من المجتمعين بسفير الأميركي في سوريا روبرت فورد، أنّ الأخير أكّد لهم أنّ «واشنطن لا تريد التدخل المباشر (العسكري) في الأزمة السورية»، وأنها «تريد إعطاء فرصة للحل، وهي اليوم على طاولة من سيجتمع في المؤتمر الدولي المزمع عقده».
ومن إسطنبول إلى مدريد، حيث يعقد مؤتمر بدعوة من «حزب التنمية الوطني» السوري، برعاية وزارة الخارجية الاسبانية، وستكون «هيئة التنسيق الوطنية» الركن الأساس فيه عبر مشاركة 6 من قياداتها (3 من الداخل السوري و3 من الخارج) بينهم ممثل الهيئة في الخارج هيثم مناع، والمنسق العام للهيئة حسن عبد العظيم وأمين سر الهيئة رجاء الناصر.
مشاركة الهيئة في المؤتمر جاءت، حسبما أكّد عبد العظيم لـ«الأخبار»، بعد عدة استفسارات من الهيئة لمنظمي المؤتمر، بعد كلام عن اعتراض بعض المشاركين على اسم مناع، وحول صيغة الدعوة والمدعوين بعد الكلام على احتمال مشاركة شخصيات «ذات نبرة طائفية»، ما ترفضه الهيئة.
ويروي عبد العظيم أنّ هذا المؤتمر سيكون ذا إطار تشاوري يهيّئ لمؤتمر سيعقد في القاهرة في شهر حزيران تحضيراً لتشكيل «تحالف ديمقراطي واسع» على أساس رفض العسكرة والجنوح نحو الحلّ السلمي ضمن محددات مؤتمر جنيف.
من ناحية أخرى، تروي مصادر متقاطعة من «الائتلاف» و«هيئة التنسيق» أنّ المعارض ميشال كيلو، الذي يتجّه لتشكيل «القطب الديمقراطي» عبر مؤتمر في القاهرة، ما زال توجّهه النهائي غير واضح المعالم، إذ يروي عضو في المكتب التنفيذي في «هيئة التنسيق» لـ«الأخبار» أنّ كيلو بعد لقاء معه كان موافقاً على المشاركة في التحالف الذي تزمع الهيئة تشكيله والمشاركة في مؤتمر مدريد أيضاً، لكن «تبيّن أن للرجل حسابات أخرى». عضو في «الائتلاف» يروي أنّ كيلو ينتظر إشراك «كتلته» في الائتلاف بدفع سعوديّ.
أما الرئيس المستقيل أحمد معاذ الخطيب، الذي ما زال يشنّ هجوماً تلو الآخر على الائتلاف الذي أصبح «مكاناً لإمرار قرارات لا تخدم السوريين»، فقد تداول اسمه كمشارك في مؤتمر مدريد، وهذا ما نفاه أحد المعارضين المقربين من الشيخ، إذ قال لـ«الأخبار»: «الشيخ قال لي بالحرف، أنا لم أُدعَ ولا وقت لديّ لهذه المؤتمرات».
في موازاة ذلك، أكّد وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أنّ طهران مستعدة للمشاركة في المؤتمر الدولي حول سوريا. وأضاف «لم نتلقّ بعد دعوة، لكننا سنحضر بالتأكيد. ويمكن أن نطلق مفاوضات بين الحكومة والمعارضة في سوريا»، في حين قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، إنّ روسيا اقتنعت أخيراً بأن الشعب السوري هو من يقرّر مصير الرئيس بشار الأسد، وهو موقف صائب تماماً. ورأى العربي، عقب اجتماع طارئ للجامعة العربية، إنّ «البحث الآن يدور حول الأمور الإجرائية المتعلقة بعقد الاجتماع، بخصوص من سيشارك من جانب الحكومة ومن جانب المعارضة. فالروس يقولون إن لديهم أسماء من سيمثل النظام، في حين أن المعارضة لم تحدد حتى الآن من سيمثلها».