من المتوقع أن يشد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رحاله خلال الأيام المقبلة إلى روسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين. ورغم أن الزيارة تأتي تلبية لدعوة وجهها الكرملين في 20 آذار الماضي، تبدو أشبه بزيارة طارئة على خلفية التقارير الإعلامية التي تتحدث عن تنفيذ وجيز لصفقة أسلحة روسية سورية تتضمن تسليم موسكو لدمشق صواريخ مضادة للطائرات من طراز «أس 300»، الأمر التي تراه تل أبيب «تهديداً دراماتيكاً» لموازين القوى في المنطقة. ووفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن نتنياهو وبوتين اتفقا على عقد اللقاء في هذا الوقت خلال الحديث الهاتفي الذي أجرياه في أعقاب الهجوم الإسرائيلي الأخيرة على سوريا قبل أيام.
وسيحمل نتنياهو معه إلى الاجتماع مع القيصر الروسي ملفات عدة، بينها الملف النووي الإيراني وملف التسوية مع الفلسطينيين، إلا أن الملف الأهم الذي سيشكل محور اللقاء هو الملف السوري الذي لإسرائيل موقف واضح حياله يتمثل في ضرورة إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وفي صلب الملف السوري، سيطلب نتنياهو من بوتين وقف التسليم الروسي المتوقع لبطاريات صواريخ أرض _ جو «أس 300» إلى سوريا.
وقال وزير المياه والطاقة الإسرائيلي سيلفان شالوم، أمس، إن احتمال تسليم هذه الصواريخ «يثير قلقنا الى أبعد حد، ورئيس الوزراء مصمم تماماً على الا يتم تنفيذ هذا العقد». ورأى شالوم، في مقابلة إذاعية، أن وصول هذا النوع من السلاح إلى دمشق «سيغير توازن القوى في المنطقة، وهذه الاسلحة يمكن أن تقع في أيدي حزب الله»، معتبراً أنه إذا حصلت سوريا على هذه الصواريخ «فإن تحرك الدول التي ترغب في التغيير في سوريا سيصبح أصعب».
وتعتبر «أس 300» إحدى منظومات الدفاع الجوي الأحدث في العالم. ويحتاج تربيض المنظومة إلى 5 دقائق فقط لتكون جاهزة للإطلاق، وهي قادرة على تتبع 100 هدف والاشتباك مع 12 هدفاً في نفس الوقت على مدى 200 كلم، ما يعني تهديد عمل سلاح الجو الإسرائيلي ليس فقط في الأجواء السورية، بل أيضا اللبنانية والفلسطينية، في حال نشرها في محيط دمشق.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» ذكرت الأسبوع الماضي أن إسرائيل نقلت معلومات إلى الإدارة الأميركية تفيد بأن الروس بصدد تنفيذ صفقة لبيع سوريا هذه المنظومة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وبحسب تقرير الصحفية، فإن الصفقة التي وقّعت عام 2010 وتبلغ قيمتها 900 مليون دولار تتضمن أربع بطاريات مع عدد إجمالي من المنصات هو ست، إضافة إلى 144 صاروخاً اعتراضياً.
ولم ينف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخبر، مشيراً إلى أن الصفقة أبرمت قبل وقت طويل «والآن نستكمل بموجبها إرسال العتاد التكنولوجي ضد الطائرات». وفي ما يشبه التبرير لتنفيذ الصفقة على خلفية الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، رأى لافروف أن «الصواريخ تهدف إلى أن يكون لسوريا، كما كل الدول الأخرى، القدرة على الدفاع عن نفسها ضد غارات جوية، وهو سيناريو غير خيالي».
وفي السياق، رأت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن تسليح موسكو لدمشق بصواريخ «أس 300» يعدّ أحد التطورات المقلقة بالنسبة لإسرائيل في ضوء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق. وكتب مراسل الصحيفة للشؤون العسكرية، عاموس هارئيل، أن هذه الهجمات من وجهة نظر الروس كشفت عرضة سوريا للاستهداف، وبالتالي هي سوّغت نقل منظومات الدفاع الجوي الجديدة من أجل حماية نظام الرئيس الأسد. واستحضر الكاتب مقالة لرئيس معهد أبحاث الأمن القومي، عاموس يادلين، حررها تعليقاً على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد دمشق، وأشار فيها إلى أن «الروس الذين لم يستحسنوا الهجوم سيحررون منظومات دفاع جوي بعيدة المدى مثل أس300 ليتم تصديرها الى سوريا». وإذ شكك يادلين في مضيّ الروس قدماً في تنفيذ الصفقة، معتبراً أن القضية «بالأساس لعبة نفسية تسعى فيها موسكو إلى تحدي السياسة الأميركية والتصدي لأي هجوم محتمل ضد الأسد»، إلا أنه رأى في الموازاة أن وصول هذا السلاح إلى أيدي دمشق لا يشكل خطراً مباشراً لأن تدريب القوات السورية عليه قد يستغرق أكثر من سنة.
وفي مقالته، رأى يادلين أن المخاطرة المحسوبة التي أخذتها اسرائيل في الهجوم أثبتت نفسها، بدليل الامتناع السوري عن رد عسكري الى الآن. إلا أنه يشير مع ذلك إلى أن أعضاء هذا المحور الذي تنتمي إليه سوريا قد انتهجوا في الماضي، أكثر من مرة، سياسة ردّ متأخر بعيداً عن الساحة المحلية، صفّوا به حساباً مع إسرائيل، من جهة، وامتنعوا، من جهة أخرى، عن تحمل مسؤولية مباشرة عن الفعل.
وبناءً عليه، خلص الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية إلى أن حادثة الهجمات الأخيرة على سوريا «لم تنته لا تكتيكياً ولا استراتيجياً، باحتمال عال». وإذ دعا إلى تعزيز التيقظ خشية حصول رد الأمد القصير، رأى أنه من الناحية الاستراتيجية «عندما يدرسون في إسرائيل العملية التالية ضد تهريب السلاح، يجب أن تدرس أيضاً مسألة الظروف الاستراتيجية ومدى سماحها بحرية عمل ضمن درجة مخاطرة متدنية، أو أن يفضي تراكم الأحداث بالضرورة إلى تصعيد عسكري غير مطلوب». ورأى يادلين أن «افتراض حرية العمل النسبية هو وهم لأنه كنز يفنى... لأنه يوجد ضغط يتراكم على القيادات في الطرف الثاني لتردّ، وهو ضغط قد يفضي بها الى نقطة انكسار والى ردّ واسع قد يقع في أعقابه تصعيد عسكري خطير».