القاهرة | وفق مصادر دبلوماسية عربية ومصرية متطابقة، أصبحت المبادرة المصرية بشأن سوريا في مهب الريح، ولم تعد ذات تأثير على السياق الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. وربما حمل الخريف المقبل للمنطقة أنواءً وعواصف قد لا تحتملها خريطتها التي أصبحت هشة. وتقول المصادر لـ«الأخبار» إنّ المبادرة الأميركية - الروسية سحبت الأرض تماماً من تحت أقدام المبادرة المصرية، بل وهمشتها، وخاصة بعد التقارب المصري الإيراني.
وأجرى مساعد الرئيس المصري للشؤون الخارجية والتعاون الدولي، عصام الحداد، مباحثات مهمة في تركيا، وحمل رسالة من الرئيس محمد مرسي إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. وقالت المصادر إنّ الرسالة تمثّل محوراً إضافياً تتحرك عليه الدبلوماسية المصرية لتفعيل مبادرة مرسي، ومحاولة لإنقاذ المبادرة من الطمس النهائي. لكن واقع الحال مختلف تماماً؛ فقد أذعنت القاهرة، ومعها القوى الإقليمية للتحرك الروسي الأميركي، وبدأت بالفعل عمليات الاستعداد لمؤتمر السلام من أجل سوريا. ووفق معلومات سابقة عن اتفاق غير مكتوب بين كلّ من الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل، وتركيا، والإمارات، والسعودية، والأردن، وبمقتضاه لإدارة أزمات المنطقة، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني، والملف السوري، أكدت المصادر أنّ كل من السعودية وتركيا، عهد إليهما إدارة ملف الأزمة السورية.
وتروي المصادر أنّ القاهرة ستشهد اجتماعات مهمة خلال المرحلة المقبلة تتعلق بالإعداد لمؤتمر السلام من أجل سوريا. وذكرت المصادر أن تصريحات عصام الحداد التي تدور حول اجتماعات في القاهرة بشأن المبادرة المصرية «قد تكون للاستهلاك المحلي؛ لأن المبادرة أفرغت فعلياً من عناصر تحركها، وترفض السعودية المشاركة فيها، بل وترفض حتى المشاركة في الاجتماعات التي دعت إليها مصر حول توسعة المبادرة».
المصادر لفتت إلى أنّ «القاهرة تلقت مثلها مثل غيرها من الدول المبادرة الأميركية الروسية، وأن الدوائر الدبلوماسية المصرية لديها تأكيدات بتحفظ كل من السعودية، والولايات المتحدة على التعاون، والتقارب الكبير بين نظام الحكم المصري الجديد وبين طهران، وخاصة بعد التغيّر الكبير في الموقف المصري تجاه الملف السوري».
وأشارت المصادر إلى أنّ المعارضة السورية، التي تحظى بوجود قاعدي مهم ومؤثر في القاهرة، «لديها تحفظات على المبادرة الأميركية – الروسية، وذلك بسبب عدم وضوح الموقف من النظام السوري، والإبقاء عليه في المعادلة السورية المستقبلية». لكن المصادر تقول إن «المعارضة، وخاصة الائتلاف المعارض، ستجد نفسها مضطرة في النهاية للقبول بالمبادرة لأنها ترفع الغطاء عن المعارضة الممزقة أصلاً من داخلها».
وأكدت المصادر أنّ «الاتفاق الأميركي – الروسي تمّ في إطار اتصالات فاعلة ومؤثرة تمت مع النظام السوري»، وأضافت أنّ «روسيا بعثت برسائل تطمينية إلى الرئيس السوري بشار الأسد بأنها لن تسمح بسيادة الرؤية الأميركية في المنطقة هذه المرة». وأشارت المصادر إلى أنّ «الجانب الروسي أوضح موقفه لواشنطن بجلاء، وأن روسيا ليست على استعداد للتخلي عن مصالحها العليا في الشرق الأوسط، وأن أي تصعيد عسكري، أو تدخل دولي في سوريا سيقابله مواجهة روسية واضحة، وقد يتطور الأمر أبعد من ذلك».
وتقدّر مصادر «الأخبار» أنّ «موقف الأطراف المساندة للمعارضة السورية محاصر بمصالح دولية أعمق كثيراً مما تتصوره هذه الأطراف، إذ تدخل فيه حسابات قوى عالمية مؤثرة مثل روسيا، والصين، وقوى إقليمية لا تقل أهمية في تأثيرها في الإقليم ممثلة في إيران، وحزب الله، وقوى النظام السوري نفسه». وتشير المصادر إلى أنّ «عدم فهم هذه المعطيات من قبل بعض الأطراف أفقدها فعلياً دورها، أو أن تكون مؤثرة في مسار الأحداث، وذلك على الرغم من تسرعها في إلقاء ثقلها بالكامل في مرحلة من المراحل على القوى المعارضة السوري، وحتى إنها لم تملك الرؤية السديدة للتعامل مع قوى المعارضة بما تمثله من تباين شديد على مستويات العرقية والإثنية، وكذلك الأيديولوجية».