بغض النظر عن حقيقة ما توصل إليه الطرفان الروسي والإسرائيلي في الغرف المغلقة، الواضح أن كلّا من بوتين ونتنياهو عبّرا عن قلقهما من التطورات التي تشهدها الساحة السورية، كما استغل كلّ منهما المؤتمر الصحافي المشترك كي يعبّر عن رسالته الضمنية في قضية تزويد سوريا بصواريخ أرض جو «اس اس 300» رغم أنهما لم يتطرقا إلى ذلك علناً في مواقفهما.
في ضوء ذلك، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن «إسرائيل ستفعل كل شيء من أجل الدفاع عن مواطنيها»، فيما رأى الرئيس الروسي ضرورة «ابداء المسؤولية في هذه الفترة والامتناع عن خطوات يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الوضع»، في إشارة إلى العدوان الإسرائيلي الأخير في الأراضي السورية.
في المقابل، أكد نتنياهو على أنه أجرى وبوتين محادثات شاملة عن الوضع في المنطقة، مشدداً على ضرورة العمل معاً لإيجاد طرق تسوية الوضع وتوفير الأمن.
ووصف نتنياهو المحادثات مع بوتين بأنها كانت «طويلة وعميقة حول الوضع في منطقتنا»، وكجزء من محاولة تقديم إسرائيل كطرف يسعى لتحقيق السلام مع جيرانه. وأضاف «حققنا اتفاقيات سلام مع اثنين من جيراننا ونتمنى تحقيق اتفاقات كهذه مع الآخرين أيضاً». وكان نتنياهو قد وصف في بداية محادثاته مع الرئيس الروسي منطقة الشرق الاوسط بـ«الهائجة وغير المستقرة وقابلة للانفجار»، معبراً عن سروره للفرصة التي سنحت له للتباحث مع بوتين حول سبل إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة».
ولفت بوتين، في ختام لقائه مع نتنياهو، إلى أهمية «تجنّب أي خطوات من شأنها تصعيد الوضع في سوريا أكثر مما هو عليه الآن»، مشيراً إلى أنّ بلاده وإسرائيل تتشاطران القلق إزاء الوضع الراهن في سوريا، مؤكداً على ضرورة الوقف الفوري للأعمال العدائية في هذا البلد، وتحقيق حلّ سياسي للأزمة. وأوضح بوتين أنّه ونتنياهو اتفقا على استمرار الاتصالات بينهما «سواء على مستوى الأجهزة الأمنية أو المستوى الشخصي ضمن إطار الجهود للتوصل إلى حل الوضع في سوريا». ووصفت وسائل الاعلام الروسية الأجواء التي سادت اللقاء بـ«الايجابية»، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي دعا بوتين كي يكون اللقاء المقبل في إيلات.
وبحسب معلق الشؤون السياسية في صحيفة «هآرتس»، باراك رابيد، استدعى نتنياهو رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، «أمان»، اللواء آفيف كوخافي، كي ينضم إلى اللقاء مع الرئيس الروسي، حيث قدم أمامه المعلومات الاستخبارية الدقيقة التي تملكها إسرائيل حول الوضع في سوريا. ورغم أن رابيد اعتبر أن تفاصيل العرض الذي قدمه كوخافي ليست واضحة، إلا أنّه «رجح أن تكون حول الأسلحة الكيميائية في سوريا واستخدامها من قبل نظام (الرئيس بشار) الأسد ضد المتمردين المسلحين». إضافة إلى تقديمه معلومات متعلقة بنقل وسائل قتالية متطورة من سوريا إلى حزب الله. أما لجهة المقاربة الاعلامية الإسرائيلية، لخلفيات زيارة نتنياهو واهدافها، فاعتبرت صحيفة «معاريف» أنّه يمكن لإسرائيل أن تهدأ لأنّ روسيا لا تنوي في الحقيقة تزويد الأسد بهذا السلاح الاستراتيجي، مؤكدة أن اوباما، كما نتنياهو، يدركان ذلك. وأضافت الصحيفة أن القرار الروسي بـ«تحريك صفقة الصواريخ هذه، التي جمدوها في العام 2010، وبعد ذلك في العام 2012، بناء على طلب نتنياهو، مفهوم جيداً في واشنطن ولندن وتل ابيب، وأنه يهدف إلى ممارسة الضغط على الولايات المتحدة وعلى إسرائيل. إضافة إلى سعيهم لتحسين مواقعهم في الساحة السورية والاقليمية التي تتدهور بشكل متسارع، على أمل الحصول على التزامات بعيدة المدى من الأميركيين في مجالات أخرى، وأيضاً يوجد لديهم ما يطلبونه من إسرائيل الصغيرة أيضاً.
وذكرت الصحيفة أنّ بوتين انتزع من وزير الخارجية الأميركي جون كيري سلسلة تنازلات على رأسها قضية التسوية المستقبلية في سوريا، وأنّ الاميركيين وافقوا على الصيغة الروسية لعقد المؤتمر الدولي حول سوريا.
وأضافت أنّ بوتين يعتبر أنّ إسرائيل قادرة على تدمير خططه من خلال شنّ هجمات إضافية على سوريا، وبالتالي اجهاض أي اتفاق اقليمي يتصل بالوضع في سوريا. وعليه، تؤكد «معاريف» على أنّ الروس يريدون صفقة مشكّلة من رزمة واسعة، تتجاوز سوريا، وتشمل مطالب من الأميركيين حول عدم نصب منظومة صواريخ اعتراضية في أوروبا، والتعاون مع الناتو، والتدخل الأميركي في مناطق النفوذ الروسي مثل جورجيا، وأوكرانيا، القوقاز والجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا، إضافة للتوصل إلى اتفاق اقليمي في الشرق الأوسط.
في المقابل، رأى دان مرغليت في صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو، أنّ سفر رئيس الوزراء المستعجل إلى موسكو يهدف إلى توجيه رسالة قوية إلى «الدب الروسي يبيّن فيها أن إسرائيل مصرة على منع نشر السلاح الروسي المتطور في سوريا أو لبنان، القادرة على استهداف طائراتها الحربية»، خاصة وأنّ تسليم الأسد صواريخ «اس اس 300» في هذه الفترة بات أخطر بأضعاف مضاعفة عما كان عليه في السنوات السابقة. أضف إلى أن المشكلة الدولية تزداد حدة فيما لو كانت هناك امكانية لنقل وسائل قتالية متطورة إلى حزب الله في لبنان. وأضاف المعلق الإسرائيلي أنّه لن يكون هناك مفر أمام سلاح الجو الإسرائيلي سوى منع نشر مثل هذه الصواريخ الروسية التي قد تصل إلى الاسد، ولاحقاً إلى حزب الله، مؤكداً على أنّ إسرائيل التي هاجمت قوافل أسلحة كهذه، لن تستطيع، ولن تريد، الكف عن ذلك لأن المسألة تتعلق بأسلحة روسية متطورة. في ضوء ذلك، لفت مرغليت إلى أن نتنياهو أراد توجيه رسالة مزدوجة إلى بوتين، مفادها أنّ إسرائيل تلتزم بمنع نقل أي أسلحة متطورة إلى حزب الله، ونشر صواريخ على الأراضي السورية، قادرة على اعتراض طائراتها، لذلك فإنها ستصر على القيام بواجبها مع كل الرغبة بالامتناع عن مواجهة عسكرية مع سوريا.