القاهرة | ربات المنازل في العباءات السوداء لا شباب الجامعات - كما جرت العادة - كنّ في صدارة المشهد في تظاهرة يوم أمس التي انطلقت من حي شبرا إلى ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية القاهرة. شبراويات - نسبة إلى شبرا الفقيرة - بامتياز للدرجة التي أذابت بسرعة منظمي التظاهرة من أعضاء الحركات السياسية وسط الجمهور الجديد الذي انضم الى تظاهرة حركة «تمرد» شيئاً فشيئاً طوال مسيرتها. من شبرا إلى حي روض الفرج المتاخم لحواريه الضيقة وصولاً إلى نقطة الانطلاق الأولى سارت التظاهرة قبل أن تستأنف المسير نحو ميدان التحرير، بينما كان نصيب الأسد من الهتافات الوضع الاجتماعي بامتياز. ومن حنجرة القيادي اليساري المخضرم كمال خليل الذي لا يزال بمثابة الأب الروحي لقطاع واسع من شباب الثورة. ربما نجحت التظاهرة في إثارة انتباه النسوة الفقيرات بهتافات تدين ارتفاع الأسعار والموجة الجديدة المرتقبة مع بدء رفع الدعم عن الطاقة وتطبيق التعديلات على ضريبة المبيعات بعد تمريرها المتوقع من مجلس الشورى.
لكن في الوقت نفسه، قد يكون بدء موسم الامتحانات سبباً لتراجع مشاركة الشباب في العمل السياسي؛ إذ إن تظاهرات يوم أمس بصورة عامة عكست مفارقة المشاركة غير المسبوقة في حملة «تمرد» للتوقيع قياساً إلى المشاركة المحدودة نسبياً في التظاهر من قبل.
كان المشهد المتكرر أمس هو ترحيب الناس من النوافذ والشرفات والمقاهي وفي الأسواق الشعبية للتوقيع بكثافة من دون الانضمام إلى التظاهرات التي ضمت في مجملها عدة آلاف.
هي مفارقة قد تشي إلى حد كبير بأن التظاهر لم يعد الآلية التي تستطيع حصد حماسة المصريين. ربما مع موجة الإحباط الواسعة في أعقاب انتفاضة عارمة وصلت ذروتها مع تظاهرات إحياء الذكرى الثانية لثورة كانون الثاني والعصيان المدني في بورسعيد، وخاصة في ظل الهزيمة التي بدا ان تلك الانتفاضة قد مُنيت بها.
فالحملة ضمت أعداداً كبيرة من الأعضاء الذين انشغلوا منذ اللحظة الأولى في استغلال زخم التظاهرة في جمع التوقيعات على سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي. وبدا أنهم وفقوا إلى حد أكبر من توقعاتهم، اذ انتهوا خلال سير التظاهرة في شبرا وروض الفرج فقط من ملء كل الاستمارات المتاحة التي قُدّرت بعدة آلاف.
ويشار إلى ان الحملة، التي دشنت في ٢٢ نيسان المنصرم وبدأت عملها الفعلي خلال فاعليات تظاهرات عيد العمال بعدها بأيام في الأول من أيار، تقوم على جمع استمارات بسحب الثقة من الرئيس تتضمن تدوين الاسم والتوقيع ورقم بطاقة الهوية القومية على نحو يجعلها قريبة الشبه بعملية التصويت في الانتخابات. وتستهدف الحملة جمع ١٥ مليون استمارة بحلول ٣٠ حزيران المقبل لتتفوق بذلك على عدد الأصوات التي حصدها في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. على ان تختتم فاعليات جمع التوقيعات بتظاهرة مليونية في مواجهة مقر قصر الاتحادية الجمهوري للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وهو مطلب يفترض انه يستند في شرعيته إلى عدد استمارات سحب الثقة.
في اي حال إن تظاهرات أمس التي حملت شعار «الاخوان جوعونا» في إشارة إلى جماعة الاخوان المسلمين التي ينحدر منها الرئيس، نظمتها عدة قوىً سياسية للتنديد بموقف الجماعة والرئيس مرسي من قضايا العدالة الاجتماعية.
وقالت الصفحة الرسمية الداعية إلى التظاهرات (التي انطلقت من حي السيدة زينب في وسط القاهرة وميدان مصطفى محمود في غربها بخلاف شبرا في شرقها وصولاً إلى ميدان التحرير)، ان الهدف منها هو إعلان رفض القرض الذي تتفاوض عليه الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي، والاحتجاج على غلاء الأسعار ورفض السياسات الضريبية للنظام الحاكم ورفض تمرير الموازنة العامة من مجلس الشعب من دون عرضها على النقاش المجتمعي والمطالبة بحق المواطنين في العمل وتطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور.
قائمة القوى السياسية، التي نظمت التظاهرات، ضمت حملة «بلدنا حقنا» و«الاشتراكيون الثوريون» وحملة «احياء» بالاسم فقط وحزب العمال والفلاحين وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي والجبهة القومية للعدالة والديموقراطية.
لكن اللافت أن التظاهرة ضمت ايضاً حزب الدستور بالرغم من إعلان مؤسسه محمد البرادعي، تأييده لإبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وبالفعل، شارك عدد من شباب الحزب من دون قياداته في التظاهرات، وهو ما بدا انه تكريس لأزمة داخلية داخل الحزب بدأت برفض قطاع كبير من شباب الحزب انخراطه في جبهة الإنقاذ الوطني مع قوىً سياسية مقربة من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.