زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للعراق لم تكن وليدة اللحظة. كانت مقررة سلفاً، لكنها أرجئت لأسباب مرتبطة بالوضع العراقي الداخلي، علماً بأن حركة المسؤولين السوريين والعراقيين أسبوعية على خط بغداد دمشق. لكن السلطات العراقية حرصت على ترتيبها يوم أمس على خلفية اتصال نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن السبت برئيس الحكومة العراقية نوري المالكي. أرادت أن تنقل رسالة أميركية عاجلة إلى دمشق، حرصت واشنطن على إيكال بغداد بها لما لها من «مونة» على سوريا.
أوساط رئاسة الحكومة العراقية تؤكد أن واشنطن حريصة على أن يلعب العراق دوراً مركزياً في المساعي الرامية إلى التوصل إلى حل سوري. يضاف إلى هذه الرغبة علاقة شخصية خاصة تربط بايدن بالمالكي، ربما راهنت عليها الإدارة الأميركية لتحقيق غايتها. الرسالة الأساس التي أراد بايدن إيصالها لدمشق عبر القادة العراقيين كانت ما يأتي: انصحوا النظام السوري بالتقاط الفرصة والتعامل بإيجابية مع جنيف 2 باعتباره بداية حوار وحل. كان هذا حرفياً ما قاله نائب الرئيس الأميركي، الذي تؤكد أوساط المالكي أنه سبق أن أبلغ المعنيين، منذ نحو شهرين، بقرار الإدارة الأميركية تغيير موقفها ووقف العمل على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.
موقف له لوازمه، على ما يفيد التفسير العراقي للرسالة. إقناع سوريا بالمشاركة في مؤتمر جنيف 2، يعني عملياً إقناعها بتخفيف شروطها للمشاركة في هذا المؤتمر، علماً بأن أصل قرار المشاركة سبق أن أعلن، ومن موسكو، خلال زيارة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد لروسيا. على سبيل المثال، إصرار دمشق على أن تسمي ممثلها إليه. ليس المطلوب طبعاً أن يسمي الطرف الآخر هذا الموفد. وإنما ترى بغداد أنه لا مشكلة في تسمية شخصية غير مستفزة، لا تعطي الأطراف الأخرى حجة للمقاطعة.
يضيف التفسير العراقي إن واشنطن، عبر طلبها مشاركة النظام السوري في جنيف 2، ترى أن أي حل للأزمة السورية سيكون بين النظام ومعارضة الخارج، وبالتالي هي ترغب من دمشق في أن تمد الجسور وتعمّق الحوار مع هذه الأطراف. لا شك في أن الإدارة الأميركية تدرك بأن هذه المعارضة لا وزن لها، وبأن الثقل كله للمعارضة المسلحة الداخلية التي تهيمن عليها بالتيارات السلفية. تيارات تستشف بغداد أن تصفيتها باتت مطلباً أميركيا، ولو على يد النظام.
إلا أن الزيارة لم تكن للمعلم وحده. كان لافتاً حجم الوفد الأمني الذي رافقه. لعل أهم الشخصيات فيه كان معاون نائب الرئيس السوري اللواء محمد ناصيف (أبو وائل) الذي يتولى ملف العلاقات مع العراق وإيران. المضيفون العراقيون تحدثوا عن أن الوفد السوري أبلغهم بأن الوضع الميداني داخل سوريا في طريقه إلى التغير بنسبة 90 في المئة لصالح النظام. «بداية الشهر السادس ستشهد تحولاً استراتيجياً» على هذا المستوى «سينعكس حتماً على مجريات جنيف 2». وفي رد على سؤال عما إذا كانوا يثقون بمقاربة كهذه، يقول المسؤولون العراقيون إن «ما يجمع العراق بسوريا اليوم يمكن وصفه بأنه وحدة مصير. لذلك، ليس من مصلحة السوريين أن يضلّلونا، ولا مصلحة لنا في أن نشكك بتقديراتهم، في النهاية لا نريد سوى المساعدة».
وكان بايدن قد أجرى اتصالاً هاتفياً بالمالكي بحث معه خلاله في ملفين: الأول، سوريا، وبينه الملف الأمني غربي العراق، حيث أعرب عن دعم واشنطن لجهود حكومة بغداد في مكافحة الإرهاب. وترغب الولايات المتحدة منذ اليوم الأول، في أن يمارس النظام العراقي سياسة النأي بالنفس على الطريقة اللبنانية. وتقول أوساط المالكي إن رئيس الحكومة أكد لبايدن مدى الترابط العضوي بين ما يجري في سوري والوضع العراقي، مشيراً إلى أن «التيارات السلفية في حال انتصارها في سوريا، فإن أبواب جهنم ستفتح علينا في العراق». أما الملف الثاني، فكان الأزمة السياسية الداخلية العراقية، حيث أكد بايدن للمالكي «ضرورة عدم دفع السنّة إلى تشكيل إقليم خاص بهم لأنه سيكون مرتعاً لتنظيم القاعدة». أزمة ناقشها أيضاً في اتصالات متزامنة مع رئيس البرلمان أسامة النجيفي، حاثاً إياه على «إدانة الإرهاب ونبذ المتشددين»، ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، حاثاً إياه على «اعتماد الحوار مبدأ لحسم الخلافات السياسية».
وقبل مغادرة المعلم بغداد، أكد أنه أبلغ المالكي «قرارنا من حيث المبدأ بالمشاركة في المؤتمر الدولي». وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره العراقي هوشيار زيباري، إن مؤتمر جنيف ــ 2 «يشكل فرصة مواتية لحل سياسي للأزمة في سوريا»، مشدداً على أن «لا أحد ولا وقوة في الدنيا تستطيع أن تقرر نيابة عن الشعب السوري مستقبل سوريا». وشدد المعلم على أن «الاتفاق الوحيد بين العراق وسوريا، وهو يصب في مصلحة الشعبين، هو أنه لا يمكن أن يكون العراق في محور أعداء سوريا»، مشيراً إلى أن «الدول الإقليمية التي تتآمر على سوريا هي ذاتها من يدعم الإرهاب في العراق». وتابع إن «مكافحة أفراد تنظيم القاعدة هي موضوع سوري عراقي، لأن الموجودين في سوريا هم امتداد للتنظيم الموجود في العراق، والعكس صحيح»، متمنياً «نجاح عمليات الجيش العراقي ضد أفراد تنظيم القاعدة، لأنها تضمن أمن الشعب العراقي وتساهم في مكافحة الإرهاب».
أما مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فقد وزع بياناً مقتضباً قال فيه إنه رحب خلال لقائه المعلم بقرار سوريا المشاركة في المؤتمر، مشدداً على أن «التوصل الى حل للأزمة السورية يجب أن يكون عبر الحوار وتجنب الحل العسكري لأنه طريق مسدود».
وأكد زيباري، في المؤتمر الصحافي، أن دول جوار سوريا بدأت تتأثر وتشعر بـ«التداعيات الخطيرة» على أمن المنطقة وسلامها، مجدداً موقف العراق بأن «العنف لا يمكن أن يحل المشاكل، ولا بد من إيجاد حل سلمي يتفق عليه السوريون أنفسهم من دون أن يفرض عليهم، وأن على السوريين اختيار النظام السياسي بأنفسهم». وأضاف إن «العراق على الأرجح سيكون حاضراً في مباحثات جنيف الثانية، وكان العراق حاضراً في مؤتمر جنيف الأول كدولة معنية بما يحصل في سوريا، وكانت له تداخلات حتى في المواثيق الدولية».
إلى ذلك، أعلن المعلم عن «قرار سوري بإعفاء المجموعات السياحية العراقية من تأشيرة الدخول الى سوريا اعتباراً من مطلع الشهر المقبل». وقال «نرحب بالسياح العراقيين... على أن يأتوا إلينا عبر المكاتب السياحية المعتمدة».