تونس | رفضت مجموعة من الشباب المحسوبين على التيار السلفي في قرية بوفيشة القريبة من مدينة الحمامات السياحية إمامة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، صلاة المغرب أول من أمس، ورفعوا شعارات تدينه وتدين حزبه السياسي، وحين فشلوا في منعه، قاطعوا الصلاة وغادروا المسجد وتعللوا بوجود إمام في المسجد. حادثة تكشف عن حقيقة الاحتقان بين التيار السلفي وحركة النهضة؛ إذ تزامن مع مواجهات بين قوات الأمن ومجموعات سلفية في مدينة بنزرت في مدينة القلعة الصغرى من ضواحي سوسة في الساحل، وتزامن أيضاً مع حملة أمنية شديدة تقودها وزارة الداخلية على أنصار التيار السلفي وخاصة «أنصار الشريعة»، وقد تجاوز عدد الموقوفين المئتين، إثر أحداث جبال الشعانبي في مدينة القصرين، والمؤتمر الذي منعت وزارة الداخلية تنظيمه في القيروان وما ترتب عنه من أحداث «الأحد الأسود» في حي التضامن الشعبي من ضواحي العاصمة.
في هذا الوقت، اتهم رئيس الحكومة علي العريض، تنظيم أنصار الشريعة بالتورط في الإرهاب، بينما اعتبرت صفحات تابعة للسلفيين على مواقع التواصل الاجتماعي أن «النهضة» اختارت التحالف مع العلمانيين و«الطاغوت» وبقايا النظام السابق والقوى الدولية من أجل «استئصال» السلفيين للمحافظة على السلطة وإقناع الغرب بأنهم قادرون على ذلك.
كذلك أكد عدد من الحقوقيين مخاوفهم من إحياء قانون مكافحة الإرهاب، الذي دعت بعض الأحزاب إلى تفعيله لمقاومة موجة العنف المستشرية في البلاد، وخصوصاً انتشار السلاح؛ من بين هؤلاء المحامي الشهير بالدفاع عن الإسلاميين منذ السبعينيات حسن الغضباني، الذي كان من بين مؤسسي الجماعة الإسلامية في الستينيات، ورأى أن حركة النهـضة ستدخل في مواجهة مع السلفيين تنفيذاً للإملاءات الأجنبية، وأن هذه المواجهة قد تقود البلاد إلى الكثير من العنف والدم.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الداخلية أنها تتتبّع كل المتورطين في التحريض على العنف والاقتتال الأهلي على الشبكات الاجتماعية من المسؤولين عن الصفحات التي تدعو إلى الجهاد وتقدم دروساً في استعمال السلاح والمتفجرات، وهي صفحات قريبة إلى السلفيين.
وفي ترجمة لهذا التوجه، قال زعيم «النهضة» في اجتماع شعبي لأنصار حزبه في الضاحية الشعبية حي التضامن (أحد معاقل السلفيين)، إن التكفيريين يحملون الخراب أينما حلوا، وإنه لا يوجد أي مشروع ناجح في تطبيق الشريعة الإسلامية. ورأى أن تونس هي النموذج الآن في العالم العربي والإسلامي تحت حكم الائتلاف الذي تقوده حركة النهضة. وكان تقرير أميركي قد أكد منذ أيام أن عدد السلفيين في تونس يصل إلى عشرين ألفاً، وأكثر ما يخشاه التونسيون اليوم هو المواجهة بينهم وبين النظام، وخاصة بعد عودة مئات الشباب السلفي من مالي وسوريا والعراق. من جهته، اعترف وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي، بأن الدولة عجزت على السيطرة على نحو ١٠٠ مسجد تحولت إلى معاقل لنشر الفكر المتطرف، وهي حالة لم تعرفها تونس طوال تاريخها الحديث.
لقد تنامى نفوذ المجموعات السلفية المتشددة في الشارع إلى حد فرض «قانونها» الخاص على المواطنين في اللباس وفي الفضاءات العمومية.
يبدو أن مستقبل الانتقال الديموقراطي في تونس مرتبط بالتعاطي مع ملف الحركة السلفية من جهة ومع استحقاقات الثورة من جهة أخرى في التداول السلمي على السلطة والأمن الجمهوري والفصل بين السلطات وحرية الإعلام واستقلال القضاء، ومن دون هذه الاستحقاقات سيكون ملف المواجهة بين السلفيين والحكومة الفتيل الذي سيحرق البلاد.