أنهى وزيرا خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة جون كيري أمس اجتماعهما في باريس باتفاق يشوبه التشاؤم حول «صعوبة» عقد مؤتمر «جنيف 2» حول سوريا، في خطوة تزامنت مع اخفاق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق حول تمديد العقوبات الاقتصادية والعسكرية على سوريا، ما يعني سقوط الحظر تلقائياً عند انقضاء مدته يوم الجمعة المقبل. وقال كيري، في ختام اللقاء الثنائي، إن واشنطن وموسكو ملتزمتان ببدء عملية سياسية انتقالية «تسمح للشعب السوري بتحديد مستقبل سوريا. إننا ملتزمون بذلك». أضاف «نريد معاً أن نرى هذا المؤتمر ينعقد، في حال كان ذلك ممكناً، مع العديد من الدول الأخرى التي ترغب في الانضمام. نأمل أن نخرج من هنا بوضوح أكبر حول بعض القضايا التي يجب حلها خلال الأيام المقبلة».
أما لافروف، فرأى من جهته أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب إنجازه في حال أريد لهذا المؤتمر أن يلتئم، معتبراً انعقاده «مهمة صعبة»، ومشيراً إلى استمرار الخلاف مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالحضور الذين أوضح أنه يجب أن يضم أطرافاً أكثر اهتماماً من الذين شاركوا في المؤتمر السابق، في إشارة فهم منها أنه يقصد إيران.
وعبّر الوزيران اللذان تناولا العشاء في وقت لاحق على مائدة نظيرهما الفرنسي لوران فابيوس عن قلقهما من الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيميائية في الصراع السوري. وقال كيري «عبّرنا عن مخاوفنا المشتركة بشأن أي استخدام محتمل للأسلحة الكيميائية وضرورة التوصل إلى الأدلة والتأكد مما حدث في هذا الشأن. ترفض روسيا والولايات المتحدة ذلك بشدة... إذا كانت قد استخدمت».
وكان فابيوس قد عاد للتو من بروكسل حيث شارك في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أخفقوا خلاله في الاتفاق على تمديد الحظر عن توريد الأسلحة إلى سوريا. وقال فابيوس، لدى مغادرته الاجتماع، «لا اتفاق»، في إشارة إلى عدم تمكن الوزراء من التوصل إلى نتيجة في ظل انقسام ساد، بين بريطانيا وفرنسا المؤيدتين لقرار التسليح، والنمسا وألمانيا الرافضتين للقرار.
ولم تمض ساعات حتى أعلن وزير الخارجية البريطاني عن رفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية، وذلك بسبب انقضاء أجل العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا، ما «ينهي فعلياً حظر السلاح للمعارضة».
وكان من المفترض أن يتوصل الوزراء إلى اتفاق قبل منتصف ليل الجمعة، موعد انتهاء العقوبات الأوروبية المفروضة منذ عامين على النظام السوري، ومنها الحظر على الأسلحة. وطالبت خمس دول أوروبية بتجديد الحظر، فيما تدعو دول أخرى منها اسبانيا وإيطاليا إلى تسوية، وتقترح رفع الحظر بشروط مرتبطة بمراقبة الأسلحة ومهلة لعدم الاضرار بمؤتمر «جنيف 2».
وكان الوزير لوران فابيوس قد أوضح، خلال النقاشات الأولية، أن بلاده مستعدة لدعم هذه التسوية، «لأنّ من المهم أن تتخذ أوروبا موقفاً موحداً في هذه القضية».
وكان هيغ قد لمّح لدى وصوله إلى بروكسل إلى أنّ بريطانيا مستعدة لأن تشهد انهيار العقوبات التي يفرضها الاتحاد بدلاً من أن ترضخ وتتخلى عن مطالبها بتقديم مزيد من الدعم للمعارضة السورية. وقال إنّ «المهم أن نفعل الشيء الصواب في سوريا. هذا أهم من أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من أن يتبنى موقفاً موحداً في كل التفاصيل»، مشيراً إلى أنّه إذا لم يتمكن الاتحاد من التوصل إلى سياسة مشتركة، فكل دولة ستطبّق سياسة العقوبات التي تراها.
بدوره، قال وزير الخارجية النمساوي مايكل شبيندليغر «آسف لعدم التمكن من إيجاد تسوية مع بريطانيا وفرنسا». وأضاف «يجب ألا نترك السلاح يتحدث في سوريا بل الممثلون السياسيون. أعتقد أن الاتحاد الأوروبي عليه أن يضع حداً فاصلاً... نحن مجتمع مسالم. ونودّ أن نظل مجتمعاً مسالماً».
وبذل وزير الخارجية الهولندي فرانز تيميرمانز مع وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله جهوداً للتوصل إلى حلّ وسط. وأوضح فيسترفيله أن «المواقف متباعدة».
وفي إطار أجواء الوساطة لإيجاد قرار توافقي، كشف دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي أنّ دبلوماسيين أوروبيين طرحوا ورقة يمكن أن تتضمن حلاً وسطاً توافق بموجبه دول الاتحاد على رفع حظر السلاح على أن يعلق الرفع عاماً.
وذكر الدبلوماسي أنه بعد شهرين يوافق الاتحاد الأوروبي على النظر في الوضع مجدداً ويبحث أمر رفع الحظر فوراً، وذلك سيعطي فرصة لمعرفة ما اذا كانت محادثات السلام ستتمخض عن شيء.
كذلك يمكن وضع مجموعة من الشروط قبل رفع الحظر تهدئ من مخاوف عدد كبير من الحكومات الأوروبية تخشى من وصول الأسلحة في نهاية المطاف إلى أيدي المتشددين.
وأشار الدبلوماسي الأوروبي إلى أنّ وزراء الدول الخمس المعارضة لتعديل الحظر، وهي النمسا والسويد وفنلندا ورومانيا وتشيكيا، التقوا بشكل منفصل واتفقوا على قبول تمديد الحظر لفترة أقصر من الثلاثة أشهر الحالية قبل إعادة النظر فيه مرة أخرى.
إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أنه يؤيد رفعاً محتملاً لحظر السلاح على سوريا من جانب الاتحاد الأوروبي، لأنه يعطي الشعب «حق الدفاع عن النفس». وقال داوود أوغلو، في مؤتمر صحافي في بروكسل، «لقد آن الأوان اليوم لدعم هذه المطالب في سوريا، وآن الأوان اليوم لمنع المجازر التي يرتكبها النظام السوري على أرض الواقع». وأضاف «أؤيّد تماماً رفع حظر السلح على الشعب السوري لأن هذا حق للدفاع عن النفس. نحن نتحدث عن شعب يتعرض للهجوم على مدار العامين الماضيين بالأسلحة الثقيلة والطائرات وصواريخ سكود والأسلحة الكيميائية. إذا لم نمنع (ذلك) من خلال مجلس الأمن، يجب على الأقل أن ندعم حقهم في الدفاع عن النفس».
بدوره، حضّ «الائتلاف» المعارض مرة جديدة الاتحاد الأوروبي على رفع الحظر المفروض على شحنات الأسلحة إلى المسلحين. وأعلن المتحدث باسم «الائتلاف»، خالد الصالح، أن «الشعب السوري يواصل المطالبة بأسلحة لحماية نفسه، وخصوصاً لحماية نفسه. آمل وأرجو أن يتفهم الوزراء الذين يجتمعون في بروكسل ذلك».
وأضاف «أنّ من مسؤولية الاتحاد الأوروبي أن يتخذ قراراً بالفعل. إنها لحظة الحقيقة التي ننتظرها منذ أشهر. دعوا السياسيين جانباً، فكّروا في السوريين».
(أ ف ب، رويترز)