الرقة | يحمل بكري، الطفل السوري المهجر من مدينة حلب، صحنه ويركض باتجاه باب المدرسة الحديدي حين يسمع صوت بوق «السوزوكي» التي تحمل طعام الغداء من «مطبخ الرقة للضيوف الوافدين» إلى مراكز الإيواء المنتشرة في المدينة الصغيرة التي تحولت خلال عشرين شهراً من الأزمة إلى مدينة مكتظة بالسكان والسيارات.
منذ انطلاق الحراك في محافظات حلب وحمص ودير الزور، نزح إلى محافظة «الرقة» ما يقارب مليون نسمة من تلك المحافظات التي تعاني من اضطرابات أمنية، وتم توزيع النازحين على مراكز الإيواء في المدارس ليصل عددها إلى 101 مدرسة على امتداد مساحة المحافظة البالغة نحو 19620 كلم2، إضافة إلى معكسر «طلائع البعث» وبعض المنشآت الحكومية الأخرى، وإشغال الكثير من البيوت الشاغرة.
العدد الهائل من المهجرين احتاج إلى كميات كبيرة من الطعام يومياً لسد رمق الأطفال والنساء والشيوخ وضمان بقائهم على قيد الحياة، لذا كان من الواجب إيجاد سبل كفيلة بتأمين القوت اليومي للجياع. «شعرنا أنه ينبغي علينا أن نساعد من هجروا وأخرجوا من بيوتهم بغير وجه حق» يوضح مؤسس «مطبخ الرقة للضيوف» الصيدلاني متعب الزعيّط، وهو يتحدث عن فكرة إحداث المطبخ.
ويلفت الزعيّط إلى أن «نشاط المطبخ بدأ في شهر رمضان العام الماضي مع بدء توافد العائلات السورية إلى الرقة، من خلال توزيع سلال غذائية تحوي مواد غذائية أساسية مثل البقوليات والمعلبات والكونسروة والزيوت والسمون إضافة إلى السكر والشاي».
لكن، «بدأت بعض الأسر ببيع السلال الغذائية في الشوارع وعدم الاستفادة منها، لذا كان لابد من إيجاد حل آخر نضمن فيه وصول المساعدات إلى جميع أفراد الأسرة»، يضيف. هذا الواقع دفع الزعيّط إلى«احداث مطبخ لتقديم وجبات الطعام للأسر السورية التي تقطن في مراكز الإيواء وليس لها أي معيل أو معين».
ويشرح الزعيّط أن «العمل بدأ بوضع دراسة أولية للمشروع الذي بلغت تكلفته الاولية نحو 150 الف ليرة سورية منها 47 الفاً كلفة صناعة «حلة» الطبخ، أما باقي المبلغ فقد صرف على اسطوانات الغاز ولوازم الطبخ والأطعمة» كما تم تعيين «شيف» خاص بأجر يومي لهذا الغرض.
وعن الصعوبات التي واجهت المشروع، أوضح الزعيّط أنه و«في بداية المشروع طبخ الأكل بالحلل النحاسية التراثية الرقّية، ومع ازدياد الإقبال على المطبخ كان لابد من صناعة «حلة» طعام كبيرة، وتم ذلك وصنعت «حلة» طعام تكفي لنحو 7000 شخص يومياً، والتي اعيد صنع واحدة ثانية منها مع ازدياد الإقبال على المطبخ».
وأضاف الزعيّط أن ازدهار المشروع ترتب عليه تأمين تمويل ودعم وهو ما حصل، وانهالت التبرعات العينية والمادية على المطبخ من أبناء الرقة المغتربين، وبعض التجار والأطباء والمثقفين ميسوري الحال في الداخل بعد اطلاق عدة نداءات عبر شبكات التواصل الاجتماعي للدعم، مشيراً إلى أن «مستودع المطبخ يغض بعشرات الأطنان من الخضروات والبقوليات ومئات العلب من الكونسروة والزيوت وأكداس الرز والبرغل والملح».
وعن آلية عمل المطبخ اليوم، يوضح الصيدلاني الذي حطم جميع الأرقام القياسية بإطعامه نحو 14000 مهجر سوري يعيشون في مراكز إيواء مدينة «الرقة»، أنه «يتم تأمين اللوازم الأساسية للمطبخ بشكل يومي لضمان وصول الوجبة إلى مستحقيها في الموعد المحدد» ويضيف أن «العقبة الاساسية في العمل تكمن في تأمين اسطوانات الغاز التي أصبحت نادرة جداً في ظل احتكار التجار للمادة، وقد قمنا بالطبخ على نار الحطب خلال فترة مضت كي لا نتخلف عن تقديم الوجبات».
ويتابع «الزعيط» «نحضر لوجبة اليوم التالي لحظة الانتهاء من توزيع وجبة الغداء، ونحرص على دراسة الكميات بدقة لضمان وجبة غذائية متكاملة ولذيذة، وحاولنا إشراك السيدات في عمليات التحضير للطبخ عبر إرسال الخضروات إلى المدارس وتشغيل عدد من الأسر لقاء أجر يومي فأصبحنا كلنا شركاء بإعداد وجبة الطعام».
ويلفت مؤسس المطبخ إلى أن الوجبات «تكلفنا نحو 150 ألف ليرة سورية يومياً». ويوضح أنه «الآن بعد ما حدث في مدينة الرقة من أحداث واضطرابات، أصبح المطبخ إغاثياً تعتمد معظم الأسر على وجباته في ظل الضائقة المالية التي يعانيها المواطن، ونحن نعاني الآن من ضائقة اقتصادية حادة، وقد أطلقنا العديد من النداءات الإنسانية نطلب العون والمساعدة للمطبخ».