دمشق | صباح دمشق الامتحاني حافل بالاشتباكات. انفجار ضخم يهزّ حي جوبر القريب من العاصمة. ومثل كل مرة، انتحاري يقود سيارته إلى الموت أو ما يسمّيه «الشهادة». وجْهته قسم شرطة جوبر، والنتيجة، بحسب بعض وسائل الإعلام المحلية، سقوط 10 جرحى من المدنيين، إصابات 5 منهم خطرة. إصابة مدنيين في مواقع الاشتباكات تثير شكوك الناس في الأخبار المحلية الواردة، إذ يرجَّح أن المصابين هم من عناصر الجيش السوري الموجودين في محيط المخفر.
أصوات إطلاق الرصاص بعد الانفجار لم تتوقف، ما زاد حدّة الاشتباكات واشتعلت المدينة قذائف ورصاصاً. دقائق مضت على هذه الحال، امتلأت بعدها سماء دمشق بالحوّامات التي هرعت لمساعدة عناصر الجيش في جوبر. الطائرات استنفرت بهدف الوصول سريعاً إلى المنطقة المشتعلة، وإسعاف الجرحى. واحتدمت مدفعية الجيش السوري لضرب مواقع مسلحي المعارضة في جوبر وعدة مناطق أُخرى موجودين فيها. الدمشقيون وقفوا على أسطح منازلهم يراقبون الدخان الكثيف المتصاعد من منطقة الانفجار، وتحليق الطائرات الحربية المتواصل في سماء المدينة. شبكات التواصل الاجتماعي تناقلت صور مكان الحدث من بعيد، فيما التنسيقيات المعارضة نشرت الخبر بفرح وتهليل لما سمّته «عملية استشهادية أوقعت الكثير من الإصابات في صفوف كتائب الأسد». ولم تنسَ التنسيقيات أن تشكر «الله الذي بعونه تمت العملية». ومن يعرف حي جوبر بنحو جيّد يؤكد أن منطقة قسم الشرطة المستهدف شبه مسيطر عليها من قبل مسلحي المعارضة، إذ إنها مكشوفة لقناصيهم، ويتم الوصول إلى عناصر المخفر بواسطة عربة مدرّعة لإيصال الطعام والإمدادات إليهم. يأتي انفجار اليوم ليفتح الباب على ضرورة إعادة جوبر إلى سيطرة الدولة، ويؤذن باشتداد العمليات العسكرية فيها، بالتزامن مع عمليات تبدأ في حرستا.
المشهد من ساحة العباسيين وحيّ القصاع القريبين بدا مختلفاً. هلع الناس لا حدود له. الطلاب ذاهبون إلى امتحاناتهم على أصوات الرصاص والدوشكا والقذائف المتساقطة. فدائيون هُم طلاب سوريا؛ إذ تبدو فتاة تسير في الشارع مشدوهة، وقد سقطت قذيفة هاون على بعد 100 متر منها. وقعت الفتاة أرضاً بسبب الضغط والخوف، ثم اضطرت إلى النهوض متابعة سيرها إلى مركزها الامتحاني. سكان القصاع بدورهم سمعوا أصوات التكبير عقب حدوث الانفجار، بالتزامن مع أصوات الاشتباكات. ومع التكبير لا مجال للشعور بالارتياح. تقول تيريز: «جاءت صيحات التكبير من مداخل القصاع والزبلطاني. لم نفهم ما سرّ هذه الصيحات. هل وصلوا إلينا؟ أم أن بعضهم يهلّلون للانفجار الذي وقع؟ وفي الحالَتين، كان صباحنا مثيراً للرعب». وحدات من الجيش صدّت هجوماً نحو حي الزبلطاني التابع للقصاع، فيما سكّانه ظلّوا حبيسي منازلهم... منازل لم يسلم معظمها من آثار رصاصات طائشة أو قذائف على مدار السنة الماضية. الكآبة سمة السوريين المقيمين في الحي، فيما سافر الكثير من الجيران نحو بلدان الاغتراب هرباً من فقدان الأمان داخل الحي وفي البلاد كلها. تذكر ريما، من سكان القصاع أيضاً: «سمعنا صيحات التكبير من حي جوبر القريب، قبيل الانفجار وبعده. هم كانوا يتهيّأون لحدوث الانفجار ويعرفون به». وتتابع قولها: «خرجنا من منزلنا في باب توما بعد سقوط قذيفة أدت إلى تدمير جزء منه، لنسكن في القصاع. ما جرى اليوم يؤكد أن الحياة هُنا لم تعد تطاق، لا سيّما أن ذلك يحصل بالتزامن مع امتحان الشهادة الثانوية الأول لابنتي. لقد امتلأت الفتاة رعباً ولا أدري كيف يسير الامتحان معها». الاشتباكات استمرت بين الجيش ومسلحي المعارضة شرقي دوار المناشر في جوبر، وامتلأت المنطقة بالجثث، في وقت أكّد فيه الإعلام الرسمي سقوط عدد من القتلى بين صفوف المعارضة المسلّحة. مصدر عسكري أكّد أن وضع جوبر أصبح تحت السيطرة، حيث تقدّمت دبابة واحدة من أصل اثنتين إلى عمق جوبر، ما يجعل الوضع ميدانياً أفضل.
يأتي التصعيد من قبل المعارضة بعد توارد المعلومات في الأيام الماضية عن حشد قوات الجيش السوري على مدخل العاصمة الشمالي بهدف السيطرة على حرستا. أمرٌ سرّع في العملية التي بدأها الجيش لتأمين أوتوستراد دمشق _ حمص، الذي أصبح، بحسب مصدر في المنطقة، آمناً نسبياً. ولاحت نتائج سريع للعملية العسكرية عبر الإعلام الرسمي من خلال إيراد خبر مقتل هشام شلة زعيم «لواء درع العاصمة» مع عدد من عناصر مجموعته في حرستا، بعد اشتباكات استغرقت أياماً وقع خلالها عدد من المدنيين.
بدوره، أكّد المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 5 مقاتلين معارضين في دوما وحرستا. بساتين حرستا وجوبر شهدت المعارك الأعنف، ما أدى إلى سقوط قتلى وتدمير الأسلحة والذخيرة العائدة للمعارضة. وقد شهدت بساتين برزة وضاحية المجد اشتباكات عنيفة في الوقت ذاته، نتج منها عدة إصابات.
ويقوم الجيش السوري بعملية عسكرية لـ«تطهير» منطقة عدرا التي أرسلت إليها فرق من نخبة مقاتلي الجيش السوري، بهدف تسريع التقدم داخلها والسيطرة عليها. ومن المرجّح أن السيطرة على محور عدرا العسكري ستفتح الباب أمام عمليات أكبر وأخطر على بلدة دوما الواقعة، بالكامل، تحت سيطرة «جبهة النصرة». يتوقع أحد العسكريين مفاجآت عديدة في حال الانتهاء من محور عدرا، والالتفاف على دوما، إذ لم تهدأ البلدة الريفية منذ بدء الحراك الشعبي الذي سرعان ما تحوّل داخلها إلى تمرد مسلح، وبقيت طوال سنة كاملة خارج سيطرة الدولة. ويتابع العسكري توقعاته: «سيسقط الكثير منّا في العملية المقبلة على دوما»، ويبتسم متابعاً: «لا أظنّ أني سأعود من دوما، لكن لا بدّ من تلك المعركة لإكمال السيطرة على محيط مدينة دمشق». ولا يزال عناصر الجيش السوري على مداخل البلدة، فيما يتمترس عناصر المعارضة المسلحة داخل أبنية مجهولة الغياهب تنتشر ضمن البلدة، ولا أراضي مكشوفة، ما يجعل تنقل الجيش السوري أصعب.
وفي الغوطة الشرقية تواصلت العمليات العسكرية في بلدة حجيرة بين النظام و«جبهة النصرة»، فيما استمرت الاشتباكات في المزارع المحيطة بدير سلمان. وسجّلت معارك المليحة وقوع عدد من القتلى خلال اشتباكات بين «لواء درع العاصمة» والجيش السوري. كذلك شهد سهل مضايا أيضاً ملاحقات أمنية لعناصر من المعارضة المسلحة، إضافة إلى استهداف تجمع لها في بلدة يلدا في ريف دمشق الجنوبي.