تسبب حرمان مسلحي المعارضة جزءاً من الطلاب من أداء امتحان التعليم الأساسي، الذي انتهى أداؤه قبل أيام، بردة فعل شعبية مستنكرة بشدة، فيما ساهم نجاح وزارة التربية في تنظيم الامتحان في دفع الكثيرين إلى تحدي هؤلاء المسلحين، والتواصل معهم عبر الوجهاء لـ«كف شرهم عن الطلاب»، في وقت لم تيأس فيه بعض الجماعات المسلحة من تنظيم امتحان لشهادة التعليم الأساسي في بعض المناطق التي تسيطر عليها.
وقالت «أم فاضل»، وهي أم لطالب ثانوية من منطقة الباب بحلب، «قلنا لهم كفوا شرّكم عن الطلاب، حرام عليكم أن تحرموا طلاب البكالوريا من الفحص مثل طلاب التاسع. أنتم فشلتم في كل شيء، فكيف ستنجحون في تنظيم امتحان بإشرافكم، ولا تعترف به الدولة أصلاً».
وفي دير الزور، في أقصى الشرق، استبقت مديرية التربية الامتحانات باستقبال الطلاب وتأمين مبيت لهم في السكن الجامعي وسكن الأطباء في الجامعة، قبل أسبوع من الامتحان لقطع الطريق على قيام المسلحين بمنعهم.
وقال مصدر في مديرية التربية في المدنية إنّ «المديرية أمنت سكناً لائقاً للطلاب لتمكينهم من أداء الامتحان من دون التعرض لمخاطر المنع من التوجه إلى دير الزور، كما حصل مع نسبة من طلاب التعليم الأساسي». بدورها، قالت سكينة المحمد، المقيمة في الميادين، «الغضب كبير على المسلحين، وقد حصل خلاف بين كتائبهم المتعددة حول السماح للطلاب بالمرور أو منعهم». وأضافت إنّ «وجهاء مدينة الميادين أقنعوا المسلحين بعدم اعتراض الطلاب، لكن مسلحي الموحسن رفضوا ذلك، ويتم سلوك طرق فرعية لمن لم يذهب الأسبوع الماضي إلى السكن الذي أمنته مديرية التربية».
وفي حلب، التي يؤدي فيها أكثر من خمسين ألف طالب امتحاناتهم، تقرر إجراء الكثير منها في الجامعة نتيجة قلة عدد المدارس الشاغرة التي بات يشغل معظمها نازحون، في وقت تستمر فيه المعارك في بعض أحياء المدينة وفي ريفها الشمالي والغربي وتدوّي في سمائها أصداء الانفجارات.
الهاجس الأمني كان ملحاً على منظمي الامتحانات، حيث اتخذت إجراءات مشددة على مداخل المدينة، وعلى الحواجز الفاصلة بين الأحياء المختلفة، وأمام مراكز الامتحانات.
وقد يكون أداء طلاب الشهادة الثانوية لامتحاناتهم في جامعة حلب، لأول مرة، حافزاً لتصميمهم أكثر على النجاح. لونا زيتوني قالت إن «الامتحان في جامعة حلب أشعرني بأنني أقترب من الدخول إلى الجامعة، وهو حلم حياتي في كلية الاقتصاد، تحضيري كان جيداً قياساً بالظروف وما نمر فيه، واعتمدت على الدورات بسبب إغلاق مدرستنا».
بدوره، قال محمود حمو، القادم من عين العرب في أقصى شمال المحافظة، «جئت قبل أسبوع من الامتحان إلى حلب، التعليم عندنا لم يتوقف، لكن نسبة كبيرة من المدرسين من خارج المنطقة، لم يداوموا فاعتمدنا على الدروس الخصوصية».
مصدر في مديرية التربية في حلب قال لـ«لأخبار»: «التحدي كبير جداً، ولكن سننجز الامتحان بشكل أفضل مما أنجزنا فيه امتحان التعليم الأساسي. نسبة الحضور عالية جداً لأن نجاحنا في التعليم الأساسي شجع المترددين، إضافة إلى توقع أن تكون الأسئلة سهلة كما حصل في امتحان التعليم الأساسي».وبالتزامن مع بدء الامتحان، أعلنت جهة تطلق على نفسها «تجمع المعارف والتعليم الإسلامي» أنها تنوي تنظيم امتحانات لشهادة التعليم الأساسي، الذي انتهت امتحاناته الخميس الماضي.
وحسب الإعلان الذي تمّ توزيعه في عندان شمال غرب حلب، فإن الامتحان سيقتصر على لغة أجنبية واحدة هي الإنكليزية، وستحذف منه مادة الثقافة القومية الاشتراكية، وسيكون هنالك توزيع مختلف للدرجات الامتحانية.
وفي مناطق أخرى، وزعت جهة أخرى تدعى «إدارة التعليم الديني» دعوات لأداء امتحان التعليم الأساسي وفق منهاج هو خليط من المنهاج الوزاري، ومواد دينية ذات طابع متشدد.
ويعتقد أحمد، وهو مدرس ترك عمله في وزارة التربية، والتحق بالمعارضة، أن تنظيم امتحان تعليم أساسي بعيداً عن الإشراف الوزاري الرسمي ربما يقتنع به ذوو طلاب الصف التاسع، لأن أمامهم ثلاث سنوات حتى البكالوريا سيسقط خلالها النظام، لكن من المستحيل إقناعهم بتقديم امتحان البكالوريا خارج مراكز الامتحان الرسمية لأنه ما من جهة في سوريا أو العالم ستعترف بالشهادة الممنوحة».
مدرس الرياضيات في ثانويات حلب سابقاً، ألقى باللائمة على الدول العربية وتركيا والغرب «لأنهم لم يعدوا الثورة بفتح جامعاتهم للطلاب الذين يؤدون الامتحان في التعليم الثوري».
وعلى عكس امتحان التعليم الأساسي وتهديد الطلاب الذي صدرت دعوات لمقاطعته وترهيب الطلاب والأهالي، فإن الجماعات المسلحة خففت من محاربتها لأداء الامتحان، حيث لم تتردد أنباء واسعة عن اعتراض الحواجز للطلاب في عمر الثانوية والتفتيش على بطاقاتهم الامتحانية وتمزيقها، أو إعادتهم من حيث أتوا.
ورغم ظروف الحرب، لم تتراجع وزارة التربية السورية عن اعتماد المنهاج المحدث، وأصرت على اختباره هذا العام. وتجري الامتحان وفق المنهاجين القديم والحديث.
وزير التربية، هزوان الوز، اعتبر أنّ «امتحانات هذا العام هي أول دورة امتحانية وفق المناهج الحديثة. ولهذه الامتحانات ونتائجها أهمية بالغة في تقويم وتطوير المناهج الحديثة».
ويبلغ عدد الطلاب والطالبات المدعوين للامتحان 371720 طالباً وطالبة في الشهادة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي، والثانوية المهنية بفروعها الصناعية والتجارية والنسوية والثانوية الشرعية، من خلال 3235 مركزاً امتحانياً في 13 محافظة سورية من أصل 14، لأول مرة في تاريخ سوريا بعد سيطرة المسلحين على مدينة الرقة.