جنيف | قررت إسرائيل إنهاء مغامرة وزير الخارجية الأسبق أفيغدور ليبرمان بمقاطعة مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. وفي حين لم يعرف بعد القرار النهائي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو الذي يتولى أيضاً حقيبة الخارجية، علمت «الأخبار» أن وفداً رفيع المستوى سيحضر من تل أبيب الى جنيف في غضون أسبوعين، لمناقشة عودة إسرائيل الى مجلس حقوق الانسان، الذي أصدر بحقها أكبر عدد من قرارات الادانة بالمقارنة مع أي دولة أخرى. وسوف يترأس الوفد السفير السابق لإسرائيل في جنيف روني لشنويار، مع طاقم دبلوماسي وقانوني. قرار عودة إسرائيل الى المجلس يعكس ميزان الربح والخسارة للدولة العبرية، ويظهر بوضوح أن خطوة الانسحاب من المجلس قبل عام كانت الأكثر غباءً في تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية. ومثّل هذا الانسحاب حرجاً لأصدقاء إسرائيل، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، خصوصاً أنه تزامن مع موعد المراجعة الدورية الشاملة لسجل إسرائيل في حقوق الانسان، والتي كان يفترض أن تعقد في ٢٩ كانون الثاني الماضي. وفيما يبدو أن هناك صفقة قد عقدت لعودة إسرائيل الى المجلس، في غضون الاشهر المقبلة، أعلن رئيس مجلس حقوق الانسان البولندي ريميغيوز هنزل، أمس، أن موعد مراجعة سجل حقوق الانسان لإسرائيل سيكون في ٢٩ تشرين الاول المقبل.
يؤكد عماد الزهيري، نائب رئيس بعثة فلسطين في الأمم المتحدة في جنيف، أن «البيان الرئاسي البولندي هو ثمرة جهد دبلوماسي فلسطيني وعربي، ويشكل صفعة قوية لإسرائيل، لأنه في حال قررت عدم حضور المراجعة الدورية الشاملة، فإن هذه المراجعة ستعقد بدونها».
وأضاف الزهيري، في مقابلة مع «الأخبار»، «إذا لم تحضر إسرائيل في تشرين الاول، فستكون أول دولة في تاريخ مجلس حقوق الانسان الذي أنشئ عام ٢٠٠٦ قد خرقت بشكل فاضح قواعد الإجراءات والامتثال، وقررت التغيب عن عمد وبدون عذر مقبول عن المراجعة الدورية الشاملة». وسبق لدول توفالو وفيجي وهايتي أن تغيبت عن المراجعة الدورية الشاملة، ولكنها تقدمت برسائل خطية تشرح أسباب التغيّب الناتجة من الظروف الاقتصادية السيئة، أو الكوارث الطبيعية التي حلت بها.
وكان رئيس مجلس حقوق الانسان تلقّى هذا الاسبوع رسالة من إسرائيل، حصلت «الأخبار» على نسخة منها، تعرب فيها عن الرغبة في استئناف مباحثات بهدف العودة الى مجلس حقوق الانسان».
وفي هذه الرسالة، قال السفير الإسرائيلي لدى الامم المتحدة في جنيف افياتار مانور إنه يريد «التعاون» مع هنزل، و«البدء بعمل دبلوماسي بهدف حل المشاكل العالقة المتعلقة بعلاقة إسرائيل المعقدة مع مجلس حقوق الانسان إيجابياً».
وقطعت إسرائيل الجسور مع مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة عندما قرر في آذار 2012 إطلاق أول تحقيق دولي مستقل بشأن العواقب المترتبة على المستوطنات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وأعلنت إسرائيل آنذاك أنها تعتزم تعليق علاقاتها مع المجلس «ما استمرت معاملتها بشكل مختلف عن الدول الاخرى». وفي 29 كانون الثاني، قاطعت إسرائيل جلسة المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الانسان التي كانت مخصصة لها، في سابقة في تاريخ هذه الهيئة. وإسرائيل ليست عضواً في المجلس بين الدول الاعضاء الـ47، لكنها ملزمة مثل كل الدول الأعضاء في الامم المتحدة بالخضوع لهذا الامتحان.
ويؤكد الدبلوماسي الفلسطيني أن إسرائيل قد ربطت عودتها الى مجلس حقوق الانسان بعدة شروط أساسية، أبرزها إلغاء البند السابع، وهو البند الذي يتم فيه التطرق إلى أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل. ولكن إسرائيل وعدداً من الدول الغربية ترغب في إلغائه على أساس أنه يجعل إسرائيل البلد الوحيد الذي يعرض منفرداً في بند خاص. وتطالب إسرائيل بأن تُدرج ضمن البند الرابع، وهو البند الذي يسمح للدول الأعضاء وغير الأعضاء ولمنظمات المجتمع المدني بإثارة حالات حقوق الإنسان في العالم التي يجب أن تسترعي اهتمام المجلس.
وبحسب الزهيري، فإن هذا المطلب القديم_الجديد مستحيل التحقيق، لكون البند السابع مصدّق عليه في الجمعية العامة للامم المتحدة، ومن يُرد أن يلغيه عليه أن يذهب الى التصويت في نيويورك وليس في جنيف.
الشرط الثاني الذي وضعته إسرائيل لعودتها هو قبول عضويتها في مجموعة دول غرب أوروبا داخل الامم المتحدة، وهو ما ترفضه تركيا والنمسا والبرتغال والسويد، في المقابل، لا تسعى إسرائيل الى دخولها مجموعة الدول الآسيوية لكونها ستكون معزولة في هذه المجموعة، إضافة الى معارضة الدول العربية لهذه الخطوة، الأمر الذي يبقي الدولة العبرية معزولة داخل الأمم المتحدة في الشكل، رغم حضورها وتأثيرها الكبير على قرارات غالبية المجموعات الإقليمية، التي عادة ما تتكتّل وفق مصالحها.
وبحسب الدبلوماسي الفلسطيني، فإن رزمة الشروط الإسرائيلية للعودة الى مجلس حقوق الانسان تشمل أيضاً المخرج المناسب لها لقبول حضور المراجعة الدورية الشاملة في تشرين الاول المقبل، حيث اشترطت البعثة الإسرائيلية أن يُرحّب بهذه العودة عن طريق بيان مسبق يصدر عن المفوضية السامية لحقوق الانسان، وهو أمر لا يزال قيد الدرس، رغم أنه سيمثّل حرجاً كبيراً لنافي بيلاي في حال قررت قبوله.
وعلى عكس المرحلة الاولى من تأسيسه، لم يعد مجلس حقوق الإنسان مساحة مريحة للدول الآسيوية واللاتينية في مواجهة الغرب. حينها قيل كلام كثير حول إمكانية تجاوز المجلس لبعض الممارسات السلبية التي أدت الى نهاية لجنة حقوق الإنسان. وقد خصّ المحللون والمعلقون بالذكر حينها تفاقم ظاهرة «التسييس» وطغيان «الانتقائية» عند التطرق إلى الملفات. وكانت غالبية هذه الانتقادات تطال النسبة العالية من النقد الذي يوجهه الى إسرائيل دون سواها. ومثّلت عضوية الولايات المتحدة الأميركية في المجلس، والتي تستمر لغاية ٢٠١٥، نقلة نوعية استدعت ظهور تحالفات جديدة بالتزامن مع مرحلة ما يسمى «الربيع العربي»، وتتولى قطر وتركيا والمالديف دوراً محورياً في الحلف الغربي_العربي الذي يُعدّ لمختلف مشاريع القرارات التي يجري التصويت عليها، وأبرزها القرارات المتعلقة بسوريا.