الخبر قد لا يكون مفاجئاً إذا تعلّق بدولة قطر التي عودتنا المفاجآت. الدولة التي جمعت المتناقضات كلها تستعد لانتقال السلطة. أميرها حمد بن خليفة آل ثاني يستعد لتسليم الحكم لابنه تميم، على حياته. لطالما نقل عن حمد رغبته تلك. لكن أحداً لم يصدق. حتى إن مصادر رفيعة المستوى في أكثر من عاصمة إقليمية، أبلغت «الأخبار» قبل أسابيع أن حمد نقل الحكم عملياً إلى تميم، لكن من دون إعلان ذلك، ومع ذلك جرى التعامل مع هذه القصة من باب التكهنات؛ لأن أي إشارات لم تصدر عن الدوحة في هذا الاتجاه. إلا أن تقاطع معلومات «ديلي تلغراف» البريطاني ووكالة «رويترز» على هذه الرواية، يجعل الحسم بها أمراً مبرراً مهنياً. خلاصة تلك الرواية تفيد بما يأتي: أمير قطر، الذي قام بانقلاب غير دموي على والده خليفة آل ثاني أثناء قيام الأخير بجولة في أوروبا عام 1995، وبمساعدة من ابن عمه رئيس الوزراء الحالي حمد بن جاسم، قرر البدء بتغييرات على مستوى هيكل السلطة يشمل تسليم ابنه تميم مقاليد الأمور.
الصحيفة البريطانية نقلت عن مصادر أجنبية رفيعة قولها إن مسؤولاً قطرياً رفيع المستوى كشف لها أن «الوقت قد حان ليتولى ولي العهد تميم، (33 عاماً) مقاليد السلطة في أغنى بلد في العالم بالغاز المُسال». وأوضح التقرير أن «خطة التوريث» التي قد تبدأ مع نهاية الشهر الجاري، ستتزامن مع تخلي رئيس الوزراء الحالي وزير الخارجية حمد بن جاسم (52 عاماً) عن منصبه.
وتشير الصحيفة إلى أنه خلال أسابيع قليلة سيعلن الديوان الملكي أن الأمير الذي يعاني مشاكل صحية سيتخلى عن السلطة لنجله الذي تلقى تعليمه في أكاديمية «ساندهيرست» العسكرية الملكية في بريطانيا.
أحد المسؤولين البريطانيين الذي زار قطر، كان قد كشف عن خطة التوريث هذه مبكراً، فيما ذكرت مصادر أن الولايات المتحدة وإيران وبريطانيا والسعودية كانت على علم بذلك.
وقال دبلوماسي مقيم في الدوحة لـ«رويترز» في إشارة إلى رئيس الدولة إن أمير قطر «يفكر منذ فترة في هذه المسألة. الطريق مهّد بوضوح على مدى العام المنصرم لنقل السلطة إلى تميم».
كذلك أكد أحد المصادر العليمة أن خطة التوريث تهدف إلى «إدارة نظم تسليم السلطة لتسمح لولي العهد بأن يأتي إلى صدارة» المشهد السياسي.
وفيما فضّل ممثلو الحكومة القطرية عدم التعليق على أنباء كهذه، رأى محللون أن أي تغيير على مستوى القيادة القطرية سيترك انعكاسات ضخمة على السياسة الخارجية الغربية والشرق الأوسط.
«ديلي تلغراف» نقلت عن الباحث لدى المعهد الملكي للخدمات المتحدة، ميشال ستيفنس، أن أهم «إرث للأمير (حمد بن خليفة) ورئيس الوزراء (حمد بن جاسم) هو جعل قطر لاعباً عالمياً». ويضيف أن قطر «كانت قاعدة أمامية عندما تولوا (السلطة)، والآن أصبحت مدينة عصرية وواحدة من أكبر (الدول) المستثمرة في بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا»، مشيراً إلى إنشائها لقناة الجزيرة الفضائية وإلى سياستها الخارجية «البارزة جداً بفضل هذين الرجلين».
ولا تنسى الصحيفة البريطانية أن تشير إلى زوجة الأمير «الفاتنة الشيخة موزة (بنت المسند) التي شوهدت الأسبوع الماضي في نشاط خيري مع أمير وايلز في قلعة ويندسور، واصفة إياها بأنها رمز لحقوق المرأة في العالم العربي.
وتوقع الدبلوماسيون أن يكون الدافع وراء هذا التغيير هو الرغبة في نقل سلس للسلطة إلى جيل أصغر سناً. وهذه الخطوة غير معتادة نسبياً في دول الخليج؛ إذ من المعتاد أن يظل الزعماء في مناصبهم حتى وفاتهم.
وحول ولي العهد، تذكر الصحيفة أن الزعيم الشاب وبسبب تعليمه البريطاني ودور بلاده في استقبال قاعدة عسكرية أميركية، سيكون على علاقة وطيدة مع الغرب. لكن من ناحية ثانية، في ظل التحولات التي يمرّ بها العالم العربي، ثمة أسئلة يطرحها المراقبون عن مستقبل السياسة الخارجية لقطر في ظل القيادة الجديدة، ولا سيما أن ما ينقله العليمون بشؤون الحكم في الدوحة يتحدثون عن روابط قوية بين الأمير المقبل وجماعة الإخوان المسلمين. وتشير الصحيفة إلى دور قطر في دعم الجماعة في مصر وتونس وليبيا وسوريا.
«رويترز» بدورها نقلت عن أحد المصادر أن عملية نقل السلطة قد تبدأ برئيس الوزراء الذي يتولى أيضاً منصب وزير الخارجية، ما يعني ترك المنصبين.
وتحدث الدبلوماسيون عن مواعيد مختلفة راوحت بين أسابيع قليلة إلى شهور حتى أيلول. وقالوا إنهم يتوقعون أن تحدث التعديلات عبر أحد مسارين إما أن يحل تميم محل حمد في منصب رئيس الوزراء إلى أن يتولى منصب أمير البلاد لدى تنحي والده في نهاية الأمر، أو أن يشغل النائب الحالي لرئيس الوزراء أحمد المحمود، المنصب عندما يتنحى رئيس الوزراء.
ويتولى حمد بن جاسم (52 عاماً) منصبه منذ عام 2007. كذلك فإنه رئيس مجلس إدارة جهاز قطر للاستثمار، وهو منصب من المتوقع أن يحتفظ به.