القاهرة | بتهمة ازدراء الدين، تقرر إحالة المواطن على المحكمة ليعاقب «وفقاً للقانون»؛ هكذا كان المحقق يذيل قراره بإحالة المواطن المتهم على المحكمة، لتقوم الدنيا ويُشغل الحقوقيون لفترة على ما يعتبرونه انتهاكاً للحريات، لكن في النهاية يجلس القاضي على منصته، ويقرأ بعض نصوص القانون: «وبما أن ما جاء به المتهم إلى المحكمة يندرج ضمن هذه المواد من القانون، فالمحكمة حكمت عليه بعقوبة السجن لخمس سنوات».
تهمٌ من هذا النوع، طالت العديد من نجوم المجتمع من مفكرين وكتاب وأدباء وفنانين وإعلاميين، خلال الفترة الأخيرة، أبرزهم الصحافي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير صحيفة «التحرير»، ومقدّم برنامج «هنا القاهرة» على فضائية القاهرة والناس، كذلك باسم يوسف مقدم برنامج «البرنامج» على فضائية «سي بي سي»، والفنان عادل إمام. لكن آخر هؤلاء الضحايا كان أمس مدرسة قبطية تدعى دميانة عبيد عبد النور، التي اتهمها ثلاثة تلاميذ في الصف الابتدائي في المدرسة العاملة فيها في محافظة الأقصر، جنوب البلاد، بالتطاول على النبي محمد، وازدراء الدين الإسلامي. ورغم صغر سن التلاميذ (أقل من 10 سنوات)، أخذت المحكمة بشهادتهم.
ورأى محامي المُدرّسة، ثروت بخيت، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ الحكم الذي صدر ضدّ موكلته يعدّ براءة مقنعة، نظراً إلى الظروف القبلية الموجودة في منطقة الصعيد، لافتاً إلى أنّ التهمة الموجهة إلى موكّلته وفقاً للمادة 61 من قانون العقوبات تتراوح الغرامة فيها ما بين 100 إلى 500 جنيه أو الحبس، مضيفاً «لا نعرف من أين جاء القاضي بهذه الغرامة الكبيرة التي لا نعرف من أين ستأتي بها تلك المُدرّسة، فهي لا تحتمل دفع ألف جنيه». وتابع أنهم سينتظرون حيثيات الحكم للاستئناف عليه، مشدّداً على أنهم يعوّلون على أن تُبرّئ محكمة الاستئناف دميانة، لأن قضيتها تهمّ كل مصر، وبراءة دميانة هي براءة لكل المسيحيين من أقوال المتشددين، على حدّ تعبيره.
القضايا التي تُثار في الإعلام حول ازدراء الأديان لا تعني أنها محصورة في تلك الحالات؛ فإعداد إحصائية دقيقة بهذا النوع من القضايا مسألة صعبة، ذلك أن أغلب المنظمات الحقوقية تُحصي مثل تلك القضايا من وسائل الإعلام، وهناك حالات كثيرة لم تُغطها وسائل الإعلام، وبالتالي يُحكم على صاحبها ويُسجن من دون أن يعلم به أحد. ويرى محمد منير مجاهد، منسق مجموعة «مصريون ضدّ التمييز الديني»، في حديث إلى «الأخبار»، أنّه لا يوجد رصد حقيقي لأعداد من تقدّموا إلى المحاكم بتهم ازدراء أديان، «ففي أسبوع واحد فقط، وقف أمام المحكمة ثلاثة مواطنين بتهم ازدراء الدين الإسلامي: مصطفى حسن أحمد المعلّم في مدرسة مؤسسة التحرير الابتدائية في مدينة طِما محافظة سوهاج، ودميانة عبيد عبد النور، وروماني مراد سعد، المحامي صدر ضده حكم غيابي من محكمة في أسيوط بالحبس لمدة عام مع الشغل بالتهمة نفسها».
ولفت مجاهد إلى أن استخدام مثل هذه القضايا «زاد بعد الثورة بهدف إرهاب الأقليات أو المخالفين في الرأي»، مشيراً الى وجود محاولة لتأسيس دولة دينية، وأن جماعات الإسلام السياسي (الإخوان والسلفيون)، يعملون على إذكاء روح التفرقة بين الناس على حسب الدين.
عادل رمضان، المسؤول القانوني في وحدة الحريات المدنية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يتفق مع مجاهد، ويقول لـ«الأخبار» إن «الشهور القليلة الماضية شهدت تصاعداً في مناخ عدائي لحرية المعتقد والدين أدى إلى تزايد ملحوظ في أعداد البلاغات الكيدية التي يتقدّم بها مواطنون ضدّ مواطنين آخرين، متهمين إياهم بالإساءة إلى الدين الإسلامي». وأضاف أن «سرعة استجابة النيابة العامة وتحريكها لدعاوى قضائية على خلفية هذه البلاغات هو أمر يثير القلق».
بدوره، يوضح إسحاق إبراهيم، مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في المؤسسة نفسها، لـ«الأخبار»، أنه خلال عامي 2011 و2012 سُجلت 36 حالة اتهام في قضايا ازدراء الأديان، من بينها 17 حالة أحيلت على المحكمة. وخلال العام الجاري، سُجلت 5 قضايا، وهو الرقم الذي لا يشمل، حسب إبراهيم، كل من تم اتهامه بازدراء الاديان، بل فقط من أحيل على المحكمة، لكن هناك عدداً غير معروف من هذه الحالات.
ويلحظ عمار علي حسن، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، أن مثل هذه القضايا زاد بالفعل بعد صعود تيار الإسلام السياسي إلى الحكم، لافتاً إلى أنّهم كانوا يمارسون مثل هذه الطرق قبل وصولهم إلى السلطة، وكانوا يستغلون مواد في الدستور السابق ويرفعون دعاوى قضائية، وفقاً لما يسمح به قانون العقوبات. وقال لـ«الأخبار»: «يستندون فيها إلى تصوراتهم الخاصة وتأويلهم لآيات من القرآن، ويعتمدون على تفسيرات أو آراء فقهية قديمة يعتبرونها أصلاً من الأصول وليست اجتهاد»، مضيفاً أن شهية هذا التيار انفتحت على مثل هذه القضايا بعد الوصول إلى الحكم لإرهاب خصومه. ولفت إلى أن مثل هذه الطريقة من محاربة المعارضين بدأت منذ الأمويين في الدفع باتهام المعارضين لهم بالخروج عن الملة كي يخسروا كل تعاطف اجتماعي معهم. وشدد على أن المسألة سياسية في الأساس.
وتجدر الاشارة الى أن التلاميذ لجأوا في الفترة الأخيرة الى تلك التهمة من أجل التخلص من مدرسيهم، الأمر الذي تكرّر في قضية دميانة عبيد، أمس. وهناك حالة أخرى تعود إلى الدكتورة منى البرنس، أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة السويس، والتي أحالها رئيس الجامعة على التحقيق الشهر قبل الماضي لاتهامها بازدراء الأديان، بعد تلقّي الجامعة 40 شكوى ضدّها من طلاب زعموا أنها تحدثت عن شيوخ إسلاميين بطريقة غير لائقة، وازدراء الدين الإسلامي.



قانون لا يحمي الأديان!

ترك القانون المصري الباب مشرّعاً أمام القاضي للاجتهاد في قضايا ازدراء الأديان، فقد نص على «الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات، أو بغرامة لا تقل عن خمسمئة جنيه ولا تتجاوز ألف جنيه، ضد كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي»، وفقاً لديباجة المادة 98 من قانون العقوبات، وهي المادة الأشهر في تحويل المتهمين في تلك القضايا على المحاكم، وهناك مواد أخرى في القانون نفسه يعتمد عليها المحقق في توجيه التهم. ويرى أستاذ القانون الجنائي والحقوقي، عماد الفقي، في حديث إلى«الأخبار»، أنّ هذه المسألة برمتها تحتاج إلى قانون خاص لها أو إجراء تعديلات جوهرية على قانون العقوبات الحالي، لافتاً إلى أن النصوص الحالية لا تحمي دور العبادة ولا تحمي الأديان من الازدراء.
وأشار إلى أن الأزمة الحقيقية ليست في النصوص، وحدها بل في وجود تمييز واضح في تطبيق النصوص «وهو يحصل حسب الديانة». ويضيف أن من يتهم بازدراء الدين الإسلامي يجري التعامل معه سريعاً ويقدم إلى المحاكمة، أما من يتهم الأديان الأخرى لا يجري التعامل معهم بالطريقة نفسها، رغم أنهم كثر في هذه الأيام.