القاهرة | كشفت مصادر مصرية رفيعة المستوى لـ «الأخبار» تفاصيل الصفقة التي عرضتها إثيوبيا على اسرائيل من أجل بناء سدّ «النهضة، والمحاولات الاسرائيلية للاستيلاء على مياه النيل، في الوقت الذي بدأت فيه مصر تحركاتها القانونية في المحافل الدولية، لمواجهة المشروع الإثيوبي (سدّ «النهضة»)، مستندةً إلى اتفاقية 1929، التي تحظر «المساس بحصص دول حوض النيل»، أو «بناء سدود أو مشروعات على النهر من دون استئذان وموافقة دول حوض نهر النيل»، وذلك بعدما قررت تأليف لجنة قومية لمتابعة أزمة مياه النيل مع إثيوبيا.وقالت مصادر «الأخبار» إنّ «إثيوبيا طرحت صكوكاً لتمويل بناء سدّ النهضة قبل ثمانية أشهر، وإن نسبة كبيرة من هذه الصكوك طرحت عبر سفارة إثيوبيا في تل أبيب، وإن عدداً كبيراً من هذه الصكوك اشترتها قوى إسرائيلية فعلياً». وذكرت أنّ «الرئاسة المصرية علمت بتفاصيل الطرح الإثيوبي في إسرائيل في حينه، لكنّها لم تتخذ أية إجراءات تحول دون الخطوات الإثيوبية، وهو ما أثار غضباً في الأوساط الدبلوماسية، والأوساط المعنية بمياه نهر النيل، وخاصة القوات المسلحة المصرية».
لكن أخطر ما كشفت عنه مصادر «الأخبار» وجود محاولات دولية، وإقليمية، إسرائيل طرف أصيل فيها، تسعى لإحياء وتنفيذ الاتفاقية الإطارية للمياه، وتسمح «الاتفاقية الدولية الإطارية للمياه بمنح الحق لدول الإقليم للتشارك في المياه الكائنة في هذا الإقليم، وإعادة توزيع الحصص وفق ما تقتضيه». وهذا يعني، بحسب المصدر، «أن يكون لإسرائيل الحق في مياه النيل حال اعتبارها من دول إقليم الشرق الأوسط».
وأشارت المصادر الى دور إسرائيلي للتعاون في المجال المائي والزراعي مع عدد من دول أفريقيا، وهي حصراً إثيوبيا، زامبيا، زيمبابوي، مالاوي، بيتسوانا، موزامبيق. وقالت إن «هناك خبراء من إسرائيل مقيمين في تلك الدول، إضافة إلى قواعد عسكرية إسرائيلية في البحر الأحمر، منها قاعدة جزر دهلك، التابعة لإريتريا، وقد حصلت عليها إسرائيل حين كانت إريتريا جزءاً من إثيوبيا، ولا تزال قائمة حتى الآن». وأضافت المصادر إنه بعد استيلاء اريتريا على «جزر حنيش»، منحت إسرائيل حق إقامة منشآت «غير معروفة طبيعتها».
وبحسب المصادر نفسها، فان إسرائيل أسّست محطة استخبارات متقدمة تابعة لجهاز «الموساد»، وذلك في منطقة جبال تقع بالقرب من الحدود السودانية. وقالت إن هناك محاولات لاستمالة السودان كي تصبح مصر وحدها في مواجهة باقي دول حوض النيل، وإنه جرى تقديم اقتراح أميركي إلى الخرطوم مشتملاً على دراسة جدوى، وذلك بهدف تنمية وزراعة المنطقة الواقعة بين النيلين الأزرق والأبيض مع تمويل دولي كبير.
وقالت المصادر إنه عُرض اقتراح على مصر في نهاية التسعينيات من القرن الماضي خلال اتصالات مباشرة بين كل من مصر وإثيوبيا وإسرائيل، وتدخلت فيه الولايات المتحدة، ويقضي بأن تقوم مصر ببيع مياه النيل لإسرائيل، مقابل زيادة حصة مصر المائية من النهر، وحينها رفضت القاهرة الصفقة. وأشارت الى أن الحوار الاستراتيجي، المصري الأميركي، الذي دشنته وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، مادلين أولبرايت، مع نظيرها المصري آنذاك، عمرو موسى، شهد تباينات جذرية بين القاهرة وواشنطن في ما يتعلق بحوض النيل، وجنوب السودان، ورفضت أولبرايت في محضر اجتماعها السري مع موسى الاعتراف بالمصالح المصرية في السودان. وقالت أولبرايت لموسى آنذاك، إنه «على مصر نسيان وصايتها على السودان»، ويجب على مصر «ودول المنطقة ألا تنسى أن هناك لاعباً رئيساً ووحيداً في المنطقة، وهو واشنطن».
وحددت أولبرايت التصور الأميركي خلال المحادثات السرّية، الذي قام على ما يلي: مجموعة دول شرق أفريقيا تكتل واحد. السودان مصدر رئيس للغذاء والحاصلات الزراعية. جنوب السودان يعوم فوق بحيرة من النفط، ولن تفرط فيه الولايات المتحدة. جنوب السودان مصدر مهم لصناعة «رقائق الكمبيوتر»، بسبب تركز الصمغ العربي فيه، ولن تتنازل عنه واشنطن بسهولة. وكشفت المصادر أن «مصر رفضت اقتراحا أميركياً بضم شمال السودان إلى مصر مقابل انفصال الجنوب».
وحدّدت المصادر نفسها التعامل الحالي لمصر مع أزمة مياه النيل على النحو الآتي: نهر النيل لن يدخل في أي مفاوضات متعددة الأطراف، ولا يمكن الربط بينه وبين حالات الأنهار الأخرى في الشرق الأوسط. واتفاقيات نهر النيل مستقرة، وحقوق مصر القانونية واضحة على المستويين الإقليمي والدولي. ومصر سترفض رفضاً قاطعاً أي حديث عن إعادة توزيع المياه في حوض النيل، أو في الشرق الأوسط.
وكشفت المصادر عن خطة مصر القانونية في المرحلة المقبلة، التي ستستند إلى «قاعدة المساواة»؛ فلا فارق بين دول المصب، والمنبع، وقاعدة السيادة الإقليمية المقيدة، وهي تعني أن نهر النيل «ملكية مشتركة لدوله»، وقاعدة تحريم الضرر. وقال المصدر إن «التحرك القانوني على المستوى الدولي من المؤكد أنه سيكون منجزاً لمصر أمام المحافل الدولية».