القاهرة | ارتكز النجاح الساحق، الذي حققته حملة «تمرد» في جمع توقيعات المصريين على سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، بالأساس على حالة من السخط العام، تنامت بقوة بين المواطنين نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار والأزمات الممتدة في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي والتدهور المنظم في كل مناحي الحياة. ولو بدا في الأفق أن السلطة الجديدة تسير على طريق حل تلك الأزمات، وأن جهداً حقيقياً يُبذل من جانب الدولة لوضع حدّ للتدهور لكان مصير حملة «تمرّد» هو الفشل الذريع. وهذا النجاح بات أكبر تهديد يواجهه مرسي قبل انقضاء العام الأول من مدّة رئاسته. إذ يتجاوز هذا التهديد ومخاطره، التي تنذر بها الانتفاضة المرتقبة في 30 حزيران، ما واجهه مرسي في بداية رئاسته عندما أطاح وزير الدفاع السابق حسين طنطاوي، في خطوة مفاجأة عقب عملية اغتيال الجنود المصريين في سيناء. وأكبر أيضاً من ردّ الفعل العارم للمعارضة ضدّ الإعلان الدستوري، الذي أصدره مرسي في تشرين الأول الماضي وحصل من خلاله على صلاحيات غير محدودة. اللافت أنه مع اقتراب الخطر وبدء العدّ التنازلي ليوم 30 حزيران، يبدو الرئيس كمن يبحث عن حلول خارج مصر وليس داخلها. فقد شهدت الأيام المنصرمة من شهر حزيران عدّة فاعليات ضخمة احتشد فيها مؤيدو الرئيس من مختلف الحركات الإسلامية، ولكنها كانت لأسباب لا علاقة لها بما يجري في مصر ولا ما ينتظره الرئيس. لقد احتشدت القوى الإسلامية المؤيدة للرئيس في المسيرة العالمية للقدس لإعلان دعمها للقضية الفلسطينة وصب لعناتها على إسرائيل ونظمت مسيرتها في القاهرة، وجلبت الكثير من النقد اللاذع على الرئيس ومؤيديه، فظهرت مقولات من قبيل: «إذا كانوا يكرهون إسرائيل فعلاً فلماذا يستمرون في العلاقات معها؟ وهم في السلطة بالفعل، لمن يرفعون مطالبهم اذاً؟» واستدعت الذاكرة على الفور المكاتبات بين مرسي وقادة إسرائيل.
عاد الرئيس مرسي لحشد مؤيديه مرة أخرى، ولكن هذه المرّة ليوجه خطاباً إلى إثيوبيا بخصوص سدّ النهضة. لم يمثل الخطاب نقطة تحول في التعامل مع قضية السد، ولم يقدم حلولاً، بل كان خطاباً إنشائياً وجهه مرسي لمؤيديه، وأثار حفيظة المسؤولين في إثيوبيا لما فيه من تلميحات ضدها. الحشد الثالث كان من أجل سوريا بدأ من أول من أمس ويستمر ثلاثة أيام من أجل نصرة الشعب السوري والتحفيز على الجهاد في سوريا. هل يبدو هذا الأداء منطقياً في ظل خطر يقترب ويزداد يوماً بعد يوم؟ لا يمكن لأي عاقل أن يعتقد أن تلك الفاعليات الحاشدة قد تلفت الانتباه عما يجري في مصر، وما يمكن أن يحدث في 30 حزيران. سيكون هذا منطقياً فقط، إذا كان الخطر غير موجود، وان كان هناك مبالغات في تقدير ما سيجري في ذلك اليوم. ولكن ما تعبر عنه الدولة بالفعل وحتى جماعة الاخوان المسلمين وحلفاؤها يؤكد أنهم ينتظرون حدثاً ضخماً. الحقيقة أن الرسالة التي تصل من مرسي ومؤيديه عبر هذه الفاعليات والحشود أنه لا شيء لديهم ليقدموه للمصريين. يريد مرسي في وقت حرج، أن يظهر في صورة من يهدد إثيوبيا ويدعم الشعب السوري ويسعى لتحرير فلسطين، ولكن لا شيء لديه ليعطيه للمصريين.