القاهرة | مرات كثيرة تحدث فيها الرئيس محمد مرسي. كثيرة جداً بالنسبة إلى عام واحد في السلطة. فالرجل لم يفوّت أي مناسبة للحديث، بل كثيراً ما تحدث من دون مناسبة. ولكن خطاب مرسي أول من أمس، في مؤتمر نصرة سوريا يبدو مختلفاً. فالخطاب يأتي مع انتهاء العام الأول من ولاية مرسي، وهو العام الذي انتهى من دون أن يجني المصريون أيّاً من الثمار التي تعهد الرئيس بها في برنامجه الانتخابي. يأتي الخطاب، أيضاً، على بعد أيام من «30 يونيو»، الموعد المقرر للتظاهرات التي أجمعت القوى المعارضة لمرسي على الحشد لها لإطاحة الرئيس والدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة. احتاج الرجل إلى حشد قوى مؤيديه وحلفائه وتوجيه رسالة إلى معارضيه مفادها أنه ليس وحده وأن هناك من سيدافع عن بقائه. هكذا احتشد في مؤتمر النصرة أنصار مرسي وليس أنصار الشعب السوري. فالمسيرات التي تحركت مراراً في القاهرة وأمام السفارة السورية للتضامن مع الشعب السوري ضمت قوى أخرى غير التي حشدها مرسي. كان الرئيس في حاجة إلى إعلان مدوّ يقدم نفسه فيه لحلفائه ومؤيديه، فأعلن قطع العلاقات مع النظام السوري. وربما كان الشيء الوحيد الذي ذكّر المصريين بوجود علاقات مع النظام السوري هو إعلان مرسي نفسه قطع هذه العلاقات، التي تجمدت بالفعل حتى قبل وصول مرسي إلى الحكم. بينما هناك ما يذكّر يومياً بعلاقاته مع إسرائيل التي طالما طالب المصريون بقطع العلاقات معها. الإعلان المدوي الذي أراده مرسي لم يكن سوى فقاعة لا قيمة حقيقية لها على أرض الواقع. ولكن الرسالة الأهم التي وجهها مرسي كانت للخارج عندما طالب المجتمع الدولي بفرض حظر جوي فوق سوريا. الدعوة تأتي في الوقت الذي تبدأ فيه أميركا التلميح بالتدخل العسكري الدولي في سوريا، سواء بتأكيد استخدام دمشق للأسلحة الكيميائية أو بإبقاء الأسلحة والمعدات الأميركية في الأردن عقب انتهاء المناورات المشتركة أو بالحديث عن تسليح المعارضة. لقد دأب نظام مبارك على تقديم نفسه كحليف لواشنطن التي تدعم بقاءه في السلطة عبر تأييده للسياسة الأميركية وتنفيذ طلباتها، أما مرسي فيتفوق على مبارك في أنه يستبق مطالب أميركا ويؤيد حتى نواياها قبل ويطالب بها حتى يحصل على الدعم الأميركي لبقائه في السلطة. يبدو هذا مناسباً جداً للإدارة الأميركية، فإذا كانت أميركا تزمع على القيام بعمل عسكري خاص بسوريا بأي درجة، فليس من المناسب حدوث تغييرات جذرية في مصر طالما أن الرئيس الحالي مستعد لتأييد ودعم ما ستقوم به. الغريب أن الخطاب نفسه الذي طالب فيه بالحظر الجوي هو نفسه الذي أعلن فيه رفضه لكل أشكال التدخل السياسي والعسكري في سوريا، وهو الرفض الذي يعني به بالطبع روسيا وإيران وحزب الله. هكذا عبّر مرسي في خطابه عن اصطفافه طائفياً ودعمه للمنحى الطائفي الذي تتخذه الأحداث في سوريا وفي المنطقة بشكل متسارع. فالرجل يحتاج الى حشد القوى الإسلامية التي ينتمي إليها في صراعه مع القوى المدنية. ويحتاج إلى الدعم الأميركي لبقائه في السلطة، وقد وجد في القضية السورية ما يقدمه للطرفين للحصول على دعمهما. هذا ما سيواجه به الرئيس التظاهرات الغاضبة في 30 يونيو/ حزيران، قوى الإسلام السياسي والدعم الأميركي، لذا جاء بعد ذلك في خطابه التهديد المباشر لمن سماهم «الواهمين» الذين يريدون من وجهة نظره هد الاستقرار الذي ينمو يوماً بعد يوم أو تقويض إرادة الشعب. هكذا يتجاهل الرئيس الواقع المصري الذي أكثر ما يفتقر إليه هو الاستقرار، سواء الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الأمني. يتحدث مرسي عن إرادة الشعب، متجاهلاً أن الهدف الرئيسي من التظاهرات هو التعبير عن إرادة الشعب. فما حدث هو جمع 15 مليون استمارة بسحب الثقة من مرسي والمطالبة بانتخابات مبكرة. أليس هذا تعبيراً عن إرادة الشعب؟ أليست هي نفسها الآلية التي اتبعتها جماعة الإخوان المسلمين في عهد مبارك عندما جرى جمع توقيعات المصريين على بيان التغيير للإعلان عن مطالب الشعب؟ كيف يرفض مرسي اليوم ما كان يقوم به بالأمس؟ لقد حذر مرسي من استخدام العنف في 30 يونيو وأنه لن يسمح بالخروج على القانون أو دفع البلد إلى الفوضى، فمن يحذّر؟ إن كل الدعوات التي صدرت للتظاهر كانت تؤكد على السلمية، والذين هددوا باستخدام العنف وكفّروا حملة «تمرّد»، ومن يتظاهر في هذا اليوم هم أنصار الرئيس ومؤيدوه الذين جمعهم تحت عنوان نصرة سوريا والذي كان يبحث فيه عمّن ينصره.
في أول امتحان للرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، جاءت كل إجاباته خاطئة. ففي منطقة تمزقها الصراعات المذهبية والطائفية، يذهب الرجل إلى انحيازات طائفية ومذهبية ليحصل على حلفاء، مدعماً بذلك الصراع والأزمة. وبعد سقوط رئيس مدعوم من أميركا بثورة شعبية، يبحث الرجل عن الدعم الأميركي لبقائه في السلطة بأي ثمن. وفي مجتمع يعاني كل أنواع الأزمات، يتحدث عن نمو واستقرار يتحقق ولا يراه غيره. أراد مرسي في مؤتمر نصرته أن يقدم مفاجأة، فجاءت فعلاً المفاجأة الأكبر، وهي أنه بينما ينفد الوقت سريعاً، ليس لديه ما يقدمه.