تونس | استقبل جزء كبير من الشارع التونسي بامتعاض شديد دعوة «اتحاد العلماء المسلمين»، من القاهرة، برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي، إلى دعم الجهاد في سوريا بالمال والسلاح والرجال. وهذا ما أجّج غضب وآلام آلاف التونسيين الذين فقدوا أبناءهم وأقاربهم في الحرب الطاحنة في سوريا منذ أكثر من عامين. ولم يكن رد الفعل التونسي، غير الرسمي، الذي ترجمته صفحات التواصل الاجتماعي والصحف وآراء الناشطين السياسيين بهذه الأهمية لولا ارتباط دعوة القرضاوي مباشرة بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد، وكذلك ترؤس الدكتور عبد المجيد النجار، منظّر حركة النهضة ونائبها في المجلس التأسيسي، فرع تونس للاتحاد. وبالتالي فإنّ دعوة القرضاوي التي وقّع عليها أكثر من مئة «عالم» إسلامي، من بينهم الغنوشي، قد وضعت «النهضة»، الحزب المهيمن على الحكم، في وضع «الوكيل» للجهاد في سوريا.«فتوى» اتحاد علماء المسلمين تضع «النهضة» في مأزق حقيقي. فالحركة كانت إلى وقت قريب تنفي أي علاقة لها بتأطير الشبان وتسفيرهم إلى سوريا. ومنذ أيام فقط، قال الغنوشي في جمع من أنصاره «إنّ الجهاد الحقيقي يجب أن يكون في تونس من أجل التنمية، وفي فلسطين من أجل التحرير»، وذلك في محاولة لتبرئة حركته من التورط في دماء التونسيين. وقد أثّرت هذه المأساة في شعبية الحركة، إذ إنّ «تجار الموت» الذي يقومون بتجنيد الشبان يستهدفون أساساً شبان الأحياء الشعبية.
بعد كلام القرضاوي، سيزداد وضع حركة النهضة صعوبة في تونس. فمن الواضح أنّ هناك ضغطاً قطرياً _ سعودياً على الحكومات التي أنتجتها «الثورات العربية» في تونس وليبيا ومصر من أجل دعم «الجهاد» في سوريا، وبالتالي لم يعد من الممكن أن تتبرأ من «تورطها» في ملف «الجهاد»، خاصة أن الغنوشي مرشح بارز لخلافة القرضاوي.
اختيار حركة النهضة من خلال موقع زعيمها، وأحد قادتها البارزين في «اتحاد علماء المسلمين»، الوقوف خلف الحملة على دمشق تحت عنوان الجهاد، في الوقت الذي ترتكب فيه إسرائيل كل يوم جرائم ضد الفلسطينيين، سيعمّق عزلتها بين النخب وفي الشارع، وذلك لأنه لم تعد تخفى على أحد الأجندة التي تقف خلف الحرب على سوريا.