القاهرة | رغم كثرة المبادرات التي عرفتها مصر خلال عامي الثورة، وشيوع فكرة لمّ الشمل، التي كانت تنجح تارة وتخفق تارة أخرى، إلا أنها في الآونة الأخيرة أثبتت ضعفها في مواجهة الأصوات المنادية بالخروج ليوم 30 حزيران، الذي أطلقت عليه جميع الجهات «يوم الخلاص» أو يوم «المواجهة»؛ فحزب «الوسط» القريب في موقفه من الرئيس محمد مرسي ومن جماعة الإخوان المسلمين، أطلق مبادرة «حقناً لدماء المصريين»، دعا فيها القوى السياسية إلى اجتماع عاجل خلال موعد لا يتجاوز هذا الأسبوع «لإنجاز مصالحة وطنية شاملة تجنب البلاد الارتباك وسياسة الحشود والحشود المقابلة ولحفظ دماء المصريين ومستقبلهم». تأتي هذه المبادرة في وقت بدأت فيه المواجهة مبكراً بين معارضي مرسي ومناصريه، حيث وقعت أمس، مواجهات دموية في محافظة الفيوم بين أنصار «الحرية والعدالة» الحاكم، وأنصار حملة «تمرّد»، التي تجمع توقيعات لإسقاط مرسي، أدت إلى سقوط أكثر من 37 جريحاً. وقالت وزارة الصحة والسكان، في بيان، إن الإصابات كانت نتيجة استخدام «أسلحة بيضاء وطلقات الخرطوش»؛ مواجهات تشكل بروفة مصغرة عما يمكن أن يحصل مع الاقتراب نحو 30 حزيران.
واقترح «الوسط»، بزعامة أبو العلا ماضي، مع الـ16 حزباً التي تواصل معها، أن يجري النقاش على كيفية تحقيق شراكة سياسية بين كل أبناء الشعب، والموقف من الحكومة القائمة، والموقف من انتخابات مجلس النواب، والموقف من المخاطر الخارجية التي تهدد كيان الدولة المصرية وفي مقدّمتها مشروع سدّ الألفية الإثيوبية، وأي موضوعات أخرى يقترحها أي طرف، وهي البنود التي لم تقنع الكثير ورأى البعض أنها جاءت «متأخرة».
ورأى الخبير في الشؤون السياسية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يسري العزباوي، في حديثه لـ«الأخبار»، أن «مبادرة الوسط فيها مشاكل كثيرة»؛ إذ إنها جاءت في وقت متأخر جداً؛ فحركة «تمرد» اقتربت وفق ما هو معلن من جمع 15 مليون توقيع، وسقف المعارضة ارتفع لدرجة كبيرة، تجاوز إقالة الحكومة أو النائب العام أو تعديل مواد في الدستور، مستقراً عند «إما انتخابات رئاسية مبكرة أو استفتاء على شخص الرئيس في استكمال مدّته، وهو ما لا يصمد أمامه بنود المبادرة».
وأضاف العزباوي أنّ بنود المبادرة لا تحتوي على أي نصّ يقول إنّها ملزمة للأطراف المشاركين فيها، وخصوصاً جماعة الإخوان أو الرئيس مرسي، الأمر الذي فهمته بعض الجهات على أنه محاولة لكسب الوقت، مشيراً إلى إشكالية أخرى وجدها تتعلق بالوسط نفسه؛ «فهناك فقدان ثقة في الحزب من قبل المعارضة لخطابهم المؤيد لحزب «الحرية والعدالة» وللرئيس مرسي، وفي الفترة الأخيرة، أصبح أيضاً مُنكّلاً بالمعارضة. إضافة إلى ذلك، ثمة فجوة ثقة قد زادت أخيراً بينه وبين الأحزاب الأخرى»، مشيراً إلى أن فقدان الإحساس بالوقت كان من سمة الإسلاميين في الفترات السابقة.
بدوره، رأى الباحث السياسي عمرو نبيل، الأمين العام لحزب «الإصلاح والنهضة»، في حديث لـ«الأخبار»، أنّ الاستقطاب الحاصل في الشارع الآن لم يعد يسمح لأحد بأن يظل في المنتصف، «فبات لازماً أن يميل الوسطيون إلى أحد الأطراف»، مبيناً أن «مبادرة الوسط لا يوجد فيها مشكلة بحد ذاتها، ولكن في الجهة التي تطرحها»، لافتاً الى أن «الشارع أصبح يقود النخب، وباتت تستجيب له، وبالتالي، إن وقت المبادرة جاء متأخراً، وخصوصاً مع عدم وجود نيات بتقديم تنازلات كبيرة بها».
في غضون ذلك، تواترت تصريحات قيادات جبهة الإنقاذ، لتؤكد رفضها لهذه المبادرة، وخصوصاً لأنها جاءت من طرف ليس هو المشكلة، في إشارة إلى لإخوان ومرسي، كما انعكس ذلك في حديث الدكتور محمد أبو الغار بقوله: «مال الوسط ومال القصة دي»، وهو ما وجده عضو الهيئة العليا للوسط، طارق قريطم، في حديثه لـ«الأخبار»، أنه ينمّ عن «نظرة قاصرة؛ فمن يرد أن ينقذ الموقف، فعليه أن يبادر ما دام جزءاً من نسيج الوطن».
وأوضح قريطم أن دعم حزب الوسط لحزب الحرية والعدالة والرئاسة يأتي بوصفهما يملكان الشرعية، وبالتالي إن موقف الوسط هو إلى جانب الشعب، الذي اختار مرسي في انتخابات الرئاسة بنسبة 52 في المئة، ووافق في ذات الوقت على الدستور في الاستفتاء الأخير الذي فيه مادة تنص على أن يستكمل الرئيس محمد مرسي مدة رئاسته بنسبة 64 في المئة. كذلك وصف 30 يونيو بأنه «فقاعة هواء»، لأنه لن ينتصر أحد في مصر بالضربة القاضية، ولكن بالنقاط.