ثلاثة تحديات وضعها الرئيس بشار الأسد أمام بلاده؛ إعادة الأمن والاستقرار، وإعادة الإعمار، والإصلاح. في مقابلته مع صحيفة «فرانكفورتر الغيميني تسايتونغ» الألمانية، أعطى الأسد صورة لواقع سوريّ قد يرتدّ حروباً «من الأطلسي إلى الهادئ». وهدّد بأنّه «إذا قام الأوروبيون بإرسال أسلحة، فإن العمق الاوروبي سيصبح أرضاً للارهاب وستدفع أوروبا ثمن ذلك»، لأنّ الإرهابيين «سيعودون إلى أوروبا مع خبرة قتالية وأيديولوجيا متطرفة». وعن رؤيته لمدى المعركة الحالية، لفت إلى أنّ الأزمة قد تستمر لفترة طويلة، «لأن العامل الخارجي كان واضحاً فيها، وهو يسعى سياسياً وعسكرياً لإطالة أمدها». وحذر من أنّ أي لعب بالحدود في هذه المنطقة يعني «إعادة رسم خارطة لمناطق بعيدة جداً، فهذا له تأثير الدومينو الذي لا يستطيع أحد التحكم فيه». وأضاف «إن أي إعادة رسم للخريطة في المنطقة لا يستطيع أحد أن يعرف بعدها كيف سنكون... لكن الأغلب أنها ستكون عبارة عن خريطة لحروب كثيرة في الشرق الأوسط لن يكون أحد قادراً على إيقافها... من الأطلسي إلى الهادئ».
وعن التحديات التي ستواجهها سوريا والمنطقة في المستقبل، أكد أنّ التحدي الأهم والأكبر سيكون الوقوف في وجه التطرف، «لأنه بات واضحاً أن هناك انزياحاً في مجتمعات المنطقة، وابتعاداً عن الاعتدال، وخاصة في الجانب الديني»، مؤكداً أنّ «ما من شك أنّ سوريا ستقضي على الإرهابيين على أرضها». وأضاف أنّ التحدي الأول، وهو الأولى، هو إعادة الأمن والاستقرار، أما التحدي الثاني فهو إعادة الإعمار، أما التحدي الأخير فهو الإصلاح الذي نريده.
ولفت الرئيس السوري إلى أنّ التدخل الغربي في سوريا ما زال عند المرحلة الأولى، أي بشكل غير مباشر عبر وسطاء وعملاء، أما النوع الثاني الذي هو تدخل مباشر من خلال شن الحروب فما زال بعيداً، محذراً من أنه لو حصل تدخل عسكري فإن «الوضع سيكون أسوأ بكثير، وعندها سنرى تأثير الدومينو لانتشار التطرف والفوضى والتقسيم».
وأشار إلى أنّ الكثيرين أخطأوا في فهم تحذيره من أن «التدخل في سوريا ولو بشكل غير مباشر هو كاللعب بفالق الزلزال سيؤدي إلى ارتجاج المنطقة كلها»، لأن هذا ما حصل اليوم، «لو نظرنا إلى الواقع فسنرى أن ما يحصل في العراق وقبله في لبنان هو تداعيات ما يحصل في سوريا... وهذا سيمتد بشكل طبيعي».
ورداً على سؤال حول تورط روسيا وإيران في الأزمة السورية، في حين أن دمشق تنتقد تورط السعودية وقطر وتركيا وبريطانيا في الأزمة، شدّد الأسد على أنّ «هناك فرقاً كبيراً بين التعاون بين الدول والتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما وزعزعة استقرارها»، موضحاً أن «العلاقة بيننا وبين روسيا وإيران وغيرها من الدول التي تقف مع سوريا هي علاقة تعاون تكفلها وتضمنها المواثيق والقوانين الدولية».
وأشار إلى أنّ السعودية وقطر وتركيا وبريطانيا «من خلال السياسات التي تنتهجها إزاء الأزمة السورية تتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، وهو تدخل سافر ترفضه المواثيق الدولية ويعدّ انتهاكاً للقانون الدولي وخرقاً لسيادة الدولة».
وعن هدف فرنسا وبريطانيا من تولّي السعودية وقطر القيادة في هذه المعمعة الحاصلة حالياً، شدّد على أنّ باريس ولندن لديهما مشكلة مع الدور السوري المزعج في المنطقة حسب رأيهما، «فهذه الدول كما أميركا تبحث عن إمّعات ودمى تنفذ مصالحهم دون أي اعتراض... ونحن رفضنا أن نكون كذلك، بل كنا دائماً مستقلين أحراراً». وأضاف أنّ «المهم أن ما حصل في سوريا كان فرصة لكل هذه الدول للتخلص من سوريا... هذه الدولة غير المطيعة... والبحث عن رئيس يقول لهم حاضر دائماً... وهذا ما لم ولن يجدوه لا الآن ولا مستقبلاً».
من جهة أخرى، رفض الأسد الاتهامات بأن الجيش السوري استخدم أسلحة كيميائية ضد مقاتلي المعارضة، واعتبرها جزءاً من استمرار الأكاذيب الأميركية والغربية حول الوضع في سوريا، «وما هي إلا محاولة لإقناع الرأي العام لديهم إما بصوابية سياستهم أو لتبرير المزيد من التدخل العسكري وسفك الدماء في سوريا». وقال إن «الدليل على أنهم يكذبون وأن الإرهابيين هم من استخدم السلاح الكيمائي، أننا عندما طالبنا الأمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق إلى المكان الوحيد الذي استخدم فيه الإرهابيون السلاح الكيميائي، وهو في حلب... الفرنسي والبريطاني هما من عرقلا هذا الأمر، لأن مجيء لجنة التحقيق سيثبت أن الإرهابيين استخدموا هذا السلاح، وسيظهر تماماً بالدليل القاطع أن فرنسا وبريطانيا تكذبان».
وعن حقيقة موقف دمشق من مجيء لجنة التحقيق، أكد الأسد أن دمشق لم ترفض مجيء اللجنة، لأنها هي من دعت إلى مجيئهم، كاشفاً أن البريطانيين والفرنسيين «أرادوا أن تذهب هذه اللجنة إلى كل الأماكن في سوريا، وتقوم بنفس العمل الذي قامت به لجان التحقيق في العراق... وتدخل في قضايا ليست من اختصاصها، وهو ما ترفضه سوريا».
ورداً على سؤال عمّا إذا حان الوقت لمدّ اليد للمعارضة، أكد الأسد أنّ النظام لا يزال يمد يده إلى كل من يرغب في الحوار. أما بالنسبة إلى المصالحة الوطنية فأوضح أنّ «القضية هي حوار من أجل الخروج من الأزمة، ودفع الإرهابيين إلى إلقاء السلاح».
وأشار الأسد إلى أنّ الجميع «مقبلون إلى مؤتمر جنيف 2، الذي له نفس الأهداف السياسية»، وأمل أن «يكون مؤتمر جنيف محطة مهمة لدفع الحوار في سوريا».
ورأى أنّ «هناك دولاً ليس لها مصلحة في نجاح جنيف 2، وهي الدول التي تدعم الإرهابيين في سوريا»، محمّلاً تركيا وقطر والسعودية وفرنسا وبريطانيا مسؤولية عدم البدء بالحوار «لأنهم يرغبون في استمرار الاضطرابات، ما جعل الحوار وإنجاز الحل السياسي يتأخرا في سوريا».
وأكد الأسد أن بلاده ستذهب إلى «جنيف من أجل حوار أصحاب القرار على المعارضة الخارجية، لأن هذه الدول التي تقف خلفهم ستقول لهم ماذا يفعلون وما لا يفعلون، وستقول لهم ماذا يقبلون وماذا يرفضون».
وأوضح أنّ الشرط الأساسي لنجاح مؤتمر «جنيف2» يكمن في «منع تهريب السلاح وتهريب الإرهابيين إلى سوريا، عندها ستكون بداية النجاح وسيبدأ تراجع الأزمة، أما إذا لم يحصل هذا الشيء واستمر الإرهاب، فما قيمة أي حلّ سياسي؟».
وعن توقعاته من نتائج إذا لم ينجح مؤتمر «جنيف2»، شدد على أنّ «الدول الداعمة للإرهاب ستستمر في دعم الإرهابيين، وعندها إذا لم تنته الأزمة السورية فستنتشر إلى دول أخرى وستصبح الأمور أسوأ»، موضحاً أن مصلحة الجميع نجاح المؤتمر.
(الأخبار)