لا يشبه بيان قمة «مجموعة الثماني» حال لقاءات رؤساء الدول وتصريحاتهم أول من أمس. «سبعة مقابل واحد»، أي سبع دول مقابل روسيا: هكذا كانت الأجواء توحي، وهذا ما وصفته الصحف الغربية، بسبب تباين الوجهات حول الأزمة السورية. السؤال المحوري صباح أمس كان: كيف سيصاغ البيان؟ وهل ستخرج موسكو متحفظة أم متراجعة؟ لكن المفاجأة أتت بعد اعلان البيان، وسيل المؤتمرات الصحافية التي تلته، حيث برز الموقف الفرنسي «المرحب بمشاركة (الرئيس الإيراني حسن) روحاني بمؤتمر جنيف 2»، واجماع الغرب على أهمية الحلّ السياسي، وعدم ذكر مسألة بقاء الرئيس بشار الأسد من عدمه.

وفي البيان، أعلن الرؤساء «اتفاقهم على ضرورة حلّ تفاوضي سلمي لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، والذي من شأنه أن يدفع إلى الحكم حكومة على أساس رؤية لسوريا ديمقراطية وموحدة وتسع الجميع». وأضاف البيان «نؤيد بقوة قرار عقد مؤتمر جنيف للسلام في سوريا بأسرع ما يمكن».
وقال البيان إن مجموعة الثماني أخذت علما بتنامي حضور الجهاديين في المعارضة المسلحة، معربة عن قلقها من «الخطر المتنامي للارهاب والتطرف في سوريا ومعربة عن اسفها لكون الطابع «الطائفي» يطغى بصورة اكبر على النزاع». وهي صيغة يمكن ان تستند اليها دمشق التي لم تكف عن التكرار انها تحارب «ارهابيين».
وحث البيان دمشق والمعارضة على أن «تتعهدا بتدمير وطرد جميع الأفراد والمنظمات المرتبطة بالقاعدة من سوريا وكذلك أي فاعل غير دولي مرتبط بالإرهاب».
ولم يحدد البيان تاريخاً محدداً لمؤتمر «جنيف 2». وبحسب النص، فإن هذا المؤتمر، المفترض ان يضم الى طاولة واحدة ممثلين لاطراف النزاع السوريين، ينبغي ان يسمح بقيام «حكومة انتقالية تتشكل بالتوافق المشترك وتتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة». سيصرف قادة مجموعة الثماني، بحسب البيان، مساعدة بقيمة مليار ونصف مليار دولار لسوريا وبلدان الجوار.
وفي أول تعليق أميركي، قال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية إنّ تصديق القمة على مفاوضات سياسية لانهاء الحرب في سوريا يفي بالأهداف التي سعى إليها الرئيس باراك أوباما، ومنها ما بحثه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
من جهته، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّ تسليح المعارضة سيؤدي فقط إلى استفحال الأزمة في سوريا. وفي مؤتمر صحافي عقب انتهاء القمة، شدّد على أنّه لا يمكن وقف سفك الدماء في سوريا إلا بالطرق السياسية. وأضاف أن روسيا دعت شركاءها إلى مواصلة العمل من أجل عقد مؤتمر «جنيف 2»، مؤكداً أنّه لا يمكن الوصول الى أي استنتاج في شأن استخدام السلاح الكيميائي إلا بعد إجراء التحقيق في جميع التقارير حول الموضوع. وأضاف: «نحن على علم بالتقارير عن توقيف معارضين سوريين في تركيا كان بحوزتهم سلاح كيميائي. ونحن على دراية بالمعلومات من العراق حول العثور هناك على مصنع لإنتاج الكيميائي للمعارضة السورية. يجب دراسة كل هذه التقارير بجدية».
ولم يستبعد الرئيس الروسي ارسال شحنات أسلحة جديدة إلى سوريا، قائلاً: «إذا ابرمنا مثل هذه العقود، علينا تنفيذها. نحن نرسل الأسلحة إلى حكومة شرعية طبقاً لعقود قانونية».
بدوره، شكّك الرئيس باراك أوباما في جدوى «تدخل أميركي أكبر في سوريا من شأنه أن يسمح بتجنب الفوضى وتغيير مجرى النزاع الدائر في البلاد». وقال، في مقابلة مع قناة «بي بي أس» الأميركية، «إذا فرضتم منطقة حظر جوي، فقد لا تحلون المشكلة». وأكد أنّه «من الصعب فهم تعقيدات الوضع والطريقة التي لا يجوز أن نسارع فيها إلى الدخول بحرب إضافية في الشرق الأوسط»، معتبراً أنّ المعارضة السورية يجب أن «تنضج سياسياً»، ومشيراً إلى أن مثل هذه الأزمات «تحل سياسياً». وأضاف: «لا أعتقد بأن أحداً ما يظن أن هناك معارضة مسلحة سورية جاهزة للتغلب على الجيش وإسقاط الأسد بسرعة».
في السياق، أشار استطلاع للرأي العام نشرت نتائجه، أول من أمس، إلى أن 70% من الأميركيين يعارضون تسليح المعارضة السورية، في مقابل 20% من المؤيدين. ويعتقد 60% من الأميركيين أنّ المعارضة ربما ليست أفضل من الحكومة الحالية في سوريا.
في موازاة ذلك، وفي موقف لافت يعكس تبدّلاً في الموقف الفرنسي، أعلن الرئيس فرنسوا هولاند، أمس، أنّ مشاركة نظيره الإيراني حسن روحاني في مؤتمر «جنيف 2» ستكون «موضع ترحيب إذا كانت مفيدة»، مضيفاً «لننتظر تصريحات الرئيس الايراني الجديد».
كما أكد هولاند ضرورة جلوس كافة أطراف الأزمة السورية حول طاولة الحوار في مؤتمر «جنيف 2»، الذي يجب عقده بأسرع وقت ممكن، معتبراً أنّه بغض النظر عن الذرائع المختلفة لتأجيل المؤتمر، تم التأكيد على ضرورة مشاركة جميع الأطراف في هذا المؤتمر الدولي بهدف بحث تفاصيل المرحلة الانتقالية. ورأى أنّ على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «أن يضغط على النظام السوري لتحقيق المرحلة الانتقالية... وبوتين قبل بالتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الحل في سوريا».
من ناحيته، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أنّ دول المجموعة اتفقت على تقديم مساعدات انسانية إضافية لسوريا بقيمة 1.5 مليار دولار، لافتاً إلى اجماع زعماء الدول الثماني على ضرورة انهاء النزاع في سوريا، على الرغم من الخلافات القائمة. وقال إن دول المجموعة «تعمل على تسريع» الانتقال السياسي. وأشار إلى أنّ القمة خيبت آمال من توقعوا «حرباً بين G7 وG1»، أي بين روسيا وباقي الدول، مؤكداً أنّ الدول الثماني ستشدد الضغط على الأطراف السورية لكي تدخل في التفاوض. ووصف بيان المجموعة حول سوريا بأنه «قوي وواعد»، مضيفاً أنّه لا يرغب في أن تجتاح الفوضى سوريا بعد رحيل النظام الحالي. وأشار إلى أنّه «يجب أن تكون في سوريا حكومة قادرة على العمل بعد تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، كما ستحتاج البلاد إلى المؤسسات والجيش والشرطة في تلك الفترة»، معتبراً كذلك أنّه «لا يمكن تصور سوريا يبقى فيها الأسد في الحكم».
في السياق، اعتبر الموفد العربي والدولي إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، أنّه لا يزال يتعيّن بذل جهود كبيرة لعقد مؤتمر «جنيف 2»، والذي لم يحدد موعده بعد.
وقال الإبراهيمي، خلال اجتماع لوسطاء السلام في مدينة لوسبي جنوب شرق النروج، إنّه في ما يخص «الأفرقاء انفسهم، لا الحكومة ولا المعارضة مقتنعون بأنها فكرة صائبة. ليس بعد». وتابع الدبلوماسي الجزائري «نأمل أن يعقد المؤتمر في أسرع وقت ممكن، لكن ليس قبل أن يصبح ذلك ممكناً».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)