انشغلت أطياف المعارضة السورية في تكهّن هوية «سُعداء الحظ»، الذين سيُكتب لهم المشاركة في مؤتمر جنيف ٢، طوال الفترة الماضية. ورغم أن أي دخانٍ أبيض لم يخرج إيذاناً بتحقيق تقدمٍ يذكر على خط الإعداد للمؤتمر المنتظر تمهيداً لانعقاده، فإن كثيرين استبقوا في اليداية أي بارقة أمل معتبرين أنّه وُلد ميتاً في ظل غياب أرضية لتوافق دولي حول تسوية ما للأزمة السورية، وفق قاعدة «لا غالب ولا مغلوب».
في المقابل، رأى آخرون في المؤتمر الوليد فرصة سانحة تعادل الفوز بجائزة يانصيب، لما قد يتأتى عنها من مردود دعائي قد يعوّمهم ويمنحهم فرصة المشاركة السياسية في التسوية المقبلة.
هكذا حدّد هؤلاء الهدف، ساعين إلى ضمان المشاركة فيها بأي وسيلة ممكنة. لم يأبهوا بمعارضتهم التي استحالت معارضات، فأوغلوا في الشرخ.
حاول بعض هؤلاء ادّعاء أنّه يملك كتائب مقاتلة، ولدى الطلب منه لوائح اسمية أو عددية غادروا من دون عودة.
ضاعف ذلك التشرذم وتعسكروا متقابلين: معارضون سوريون ينشطون إعلامياً بين قطر والسعودية ومصر وتركيا.
تقابلهم مجموعات المعارضة السورية المسلّحة التي تُمسك بزمام الميدان في الداخل السوري. وربّما، تدّعي أنّها تفعل ذلك في بعض المناطق الخاضعة لنفوذ المعارضة. كلا الطرفين يزعم أنّه الممثل الحقيقي للشعب السوري.
انقسمت هذه الكتائب على نفسها. تقاذف «أُمراؤها» و«قادتها» تُهم العمالة. بالغ بعضهم في تضخيم حجمه العسكري، عبر لجوء كل كتيبة إلى استعراض عضلاتها.
نشط كثيرون في جمع المسلّحين من كل حدب وصوب، لكنّ معظمهم لم يُفلح. بلغ السباق المحموم أوجه. هكذا ساد شدّ حبالٍ طويل الأمد، مارسته مجموعات المعارضة المسلّحة وُمعارضو الفنادق. وسط كل ذلك، سُجّل «تفويض حقيقي» لمجموعات مسلّحة تابعة لـ«حركة الرديف الثوري» تنشط في منطقة الرستن المحاصرة الواقعة في محافظة حمص، ويُمثّلها سياسياً رجل الأعمال مؤتمن البابا الملقّب بـ «أبو عبد الرحمن». وقد حمّل هؤلاء مقطع فيديو على موقع اليوتيوب يُظهر عشرات المسلّحين يتقدّمهم خطيب يُعلن أنّهم يُفوضون البابا لتمثيلهم في مؤتمر جنيف ٢.
واعتبر هؤلاء أنّ المذكور هو «الوحيد الذي يمون علينا لإلقاء السلاح عندما يطلب منّا، لا ثوّار الفنادق المتنعمون المنتفعون بما تقدّمه لهم الدول»، علماً أنّه في المدينة نفسها ينشط لواء مقاتل، سُمي سابقاً بلواء النقيب الشهيد أمجد الحميد، قبل أن يُعدّل إلى المجلس الثوري الأعلى للرستن ويضم عشرات المقاتلين الذين يقودهم العقيد المنشق بشّار سعد الدين.
في موازاة ذلك، تنشغل أوساط المجموعات الإسلامية في كل من سوريا ولبنان في نقاش حيال ما يُطرح حول «تسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية».
يؤمن هؤلاء باستحالة موافقة الأميركيين أو الغرب على تسليحهم، باعتبار أن القاصي والداني يعلم أنّ «رأس حربة المعارضة في الميدان السوري»، تؤلّفه كل من «جبهة النصرة» والمجموعات العقائدية الإسلامية، علماً أن هؤلاء ممن لن يقبل بسوريا إلا دولة إسلامية.
وهؤلاء يُبادلون الدولة العظمى العداء المطلق، لا سيما أن تجربة المجاهدين الأفغان لا تزال ماثلة في أذهانهم. فبعدما سلّحهم الأميركيون لقتال الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، عاد الجهاديون واستعملوا هذه الأسلحة خلال حربهم ضد الأميركيين في ما بعد.
إزاء ذلك، يتحدّث هؤلاء عن سيناريو يكاد يكون مغايراً كليّاً لكل هذه الطروحات. وبغض النظر عن إمكانية تحقّقه، يتداول هؤلاء فرضية تُفيد أن لازمة تسليح المعارضين بأسلحة نوعية والتي تكررت كثيراً مؤخراً، تُشكّل مرادفاً لكل من شركات المرتزقة الأمنية مثل «بلاك واتر» و«بلاك هوك» وأخواتهما.
يعتبر هؤلاء أن الولايات المتحدة إذا ارتأت التصعيد، فذلك يعني أنّها ستزجّ بهؤلاء تحت عنوان تسليح المعارضين.
ويرى المعارضون أنهم بذلك يكونون قد نجحوا في استدراج أميركا لقتالها أيضاً على الأرض السورية، علماً أنّ أحد أبرز رجال القاعدة في لبنان أسامة الشهابي، الذي سبق أن خرج إلى سوريا في سياق الرحلات الجهادية قبل أن يعود إلى مخيم عين الحلوة شرق مدينة صيدا، تحدّث خلال إحدى مقابلاته مع «الأخبار» عن «مصيدة سيقع فيها الأميركيون بتوفيق إلهي إن هم دخلوا إلى الأرض السورية»، متحدثاً عن «يومٍ سيأتون فيه هم إلينا، ولن نكون في حاجة إلى الذهاب إليهم».