حالة من التجاهل الواضح والمتعمد، تنتهجها مجمل وسائل الإعلام العربية والأجنبية في تعاطيها مع أخبار مخيمات الشتات الفلسطيني في سوريا. حالة إنسانية متردية يعيشها مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، بعد أن حولت الحرب السورية مخيماتهم إلى ما يشبه معتقلات أو سجون كبيرة، تحرسها حواجز الجيش السوري من جهة، وحواجز المسلحين المعارضين من جهة أخرى. حركة دخول السكان إلى مخيماتهم ومنازلهم وخروجهم منها تخضع لحركة تفتيش دقيقة جداً. لا يضمن أحد دخوله أو خروجه من مخيم اليرموك اليوم حتى لو بقي ينتظر لأيام كثيرة. حاجز الجيش السوري في ساحة البطيخة يغلق حركة العبور لأيام كما يحلو لعناصره. في الساعات القليلة الماضية، انتشرت شائعة بين سكان مخيم اليرموك، تفيد بطلب الجيش من جميع الأهالي الخروج من بيوتهم وإخلاء المخيم. خلقت هذه الشائعة حالة من الفوضى والخوف، ما أرغم الجيش السوري على منع الأهالي من مغادرة المخيم، وإيقاف حركة النزوح، وتعليق لافتات في شوارع ومداخل المخيم لطمأنة من بقي فيه من سكانه. جميع أنواع الاتصالات مقطوعة بنحو كامل عن مخيم اليرموك، كذلك الكهرباء ومجمل المواد الغذائية والصحية، التي تسمح القوات السورية بدخولها بالحد الأدنى، خشية وصولها إلى عناصر المعارضة، التي لا تزال متمترسة في المنطقة الجنوبية، التي تحولت، بدورها، إلى قاعدة عسكرية لانطلاق عملياتها. سياسة الحرب عن بعد تستمر حلقاتها يومياً على «عاصمة اللجوء». القذائف المتبادلة تتساقط على مدار الساعة، ويحصد رصاص القنص الأرواح بنحو شبه يومي. لا يختلف الوضع كثيراً في مخيم خان الشيح عن شقيقه اليرموك. المخيم الواقع على بعد 40 كم جنوبي العاصمة السورية، يصدّر اليوم عشرات الحكايات التي حولت المأساة التي تحملها، إلى مساحة للسخرية والتهكم، كما هي الحال مع حكاية الحاج أبو حسين، أحد وجهاء المخيم، الذي قرر حزم أمتعته ومغادرة المخيم، كما هي حال الكثيرين غيره. لكن مثل هذا القرار يحتاج إلى ورقة تصريح ممهورة بختم مختار المنطقة، لإثبات أن ما يحمله معه من حاجيات وأغراض تعود له ملكيتها. وعليه أن يبرز هذه الورقة على حاجز الجيش السوري الموجود في الشارع العام عند مدخل المخيم الرئيسي. أحد الجيران نصحه بالحصول على ورقة مشابهة من «الهيئة الشرعية» التابعة للمعارضة المسلحة، ليبرزها لعناصر حواجز «الجيش الحر» المنتشرة في الطرق الزراعية الفرعية. بعد حصول أبو حسين على الورقتين، قرر الرحيل واثقاً بنفسه، لكن القدر لم يكن كريماً معه هذه المرة، لكونه غادر عبر الطريق الرئيسي، ولدى وصوله إلى حاجز الجيش السوري، ارتكب حماقة ربما كلفته حياته، عندما أبرز ورقة الهيئة الشرعية من طريق الخطأ!
تلخّص حكاية أبو حسين أجواء السريالية والعبثية التي وصلت إليها حياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم خان الشيح. المزارع المنتشرة في منطقته الشمالية من المخيم تتعرض للقصف العنيف، من مدفعية وراجمات صواريخ الجيش السوري، بسبب انتشار أعداد كبيرة من المسلحين في تلك المنطقة. وعن الأحوال التي وصلت إليها الأوضاع المعيشية لمن بقي من سكان مخيم خان الشيح، يخبرنا الناشط أدهم الطبراني أنّه «منذ أكثر من 6 أشهر، يمنع الجيش السوري دخول الطحين والمواد الغذائية إلى المخيم. ومجمل الأسعار مرتفعة بنحو جنوني، بحجة أن من يدخلها يتكلف أضعافاً مضاعفة على أسعارها الاعتيادية. سابقاً كانت أسعار الخضروات والكثير من المواد الغذائية في المخيم، أقل من مثيلاتها في دمشق، اليوم انقلبت الحالة».
منذ أشهر طويلة من عمر الحرب السورية، غاب حضور فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل شبه كامل، في مجال مساعدة وتقديم المعونات الإنسانية سكان المخيمات الفلسطينية المنكوبة، «وحدهما حماس والجهاد الإسلامي تنشطان على أرض المخيم اليوم. المساعدات والخدمات التي تقدمانها أوجدت قاعدة شعبية جديدة لهما، بعكس بقية الفصائل التي فضلت الانسحاب بصمت، يروي الطبراني لـ«الأخبار».