في مشهد ربما مثّل ضربة البداية الحقيقية في معركة مصر المقبلة التي تبدأ بتوقيت الأفرقاء، يوم 30 حزيران الجاري، احتشد الإسلاميون من قرابة 30 حركة وتياراً وائتلافاً إسلامياً، من جميع محافظات مصر أمام مسجد «رابعة العدوية» في مدينة نصر والشوارع الرئيسية المحيطة به، في أعداد قدّر الإسلاميون أنها تصل إلى مليونين، وقدّرتها جهات أخرى بمئات الألوف، الأمر الذي دفع الحركات الإسلامية للإعلان عن السعي إلى تصوير المشهد بطائرة عموديه، وذلك لإعلان التأييد لشرعية الرئيس محمد مرسي.
وعبرت الهتافات واللافتات المرفوعة والكلمات الملقاة عن توجهات الأمس، حيث أطلق المشاركون على مدى يومين هتافات من بينها، «يا أحزاب يا علمانية يا أحزاب ليبرالية مليونية إسلامية»، و«الشعب يريد إيد من حديد»، «عاش الريس مرسي عاش»، «الشرعية للصندوق».
هذا بينما جاءت كلمات المشاركين من القادة الإسلاميين لتعبر عن كل فصيل وتنوعت بين تهديد بثورة إسلامية كما قال القيادي السابق في الجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد حال إسقاط مرسي بالقوة، وأخرى دينية، وغيرها مهددة وغيرها مهدئة. واتهم القيادي الإخواني محمد البلتاجي المعارضة بأنها تنقلب على الديموقراطية، قائلاً «إما أن نتوافق أو نحتكم للديمقراطية والصندوق»، واصفاً «المعارضين بأنهم أخوة وشركاء في الوطن والثورة».
وشهدت التظاهرات هجوماً حاداً على وسائل الإعلام التي وصفها المشاركون بالمضللة، وبأنها فاسدة مرددين «الشعب يريد تطهير الإعلام»، وهو ما ترجم على أرض الواقع في طرد طاقم قناة «سي بي سي» والاعتداء بالزجاجات الفارغة وعدم السماح لها بالبقاء، وذلك بوصفها قناة اتهمها قادة الحركات الإسلامية بالتآمر على الرئيس مرسي، كذلك تكرر المشهد لكن على نحو جزئي مع طاقم التلفزيون المصري، قبل أن يُترك لنقل الأحداث، وهو ما تزامن مع انتشار بوسترات في الإسكندرية، تحتوي على أسماء عدد من الإعلاميين كتب عليها «العصابة» مع ذكر أرقام رواتبهم التي تصل إلى الملايين، بحسب البوستر.
وفي الإسكندرية أيضاً حدثت مناوشات واشتباكات بسيطة بين عدد من أنصار مرسي وعدد من المعارضين له عقب صلاة الجمعة في مسجد القائد إبراهيم، حينما التقت المسيرتان عند المسجد.
الخبير في الحركات الإسلامية، أستاذ العلوم السياسية في جامعة «دورهام» إنكلترا، الدكتور خليل العناني، أوضح في حديثه لـ«الأخبار»أن الرسالة التي أرادت إيفادها الحشود أمس هي «لن نتراجع مهما حدث، فنحن موجودون ولن تجدي معنا لعبة الحشد». وأضاف العناني أن «مرسي أصبح خطاً أحمر بالنسبة إلى الإسلاميين، بالرغم من اختلافهم، حتى بات أن الدفاع عن شرعية مرسي أصبحت جزءاً من الدفاع عن شرعيتهم وعن أنفسهم وأفكارهم، وبات الصراع بينهم وبين التيارات الأخرى صراعاً وجودياً، والمعركة أصبحت صفرية».
وعن مؤشرات احتمال العنف، قال عناني إن «جميع الظروف مهيأة لاشتعال العنف»، مؤكداً أن «هذه التظاهرات لن تثني الخارجين من القوى الأخرى، بل بالعكس ستشجع المعسكر الآخر على السعي إلى حشد أكبر».
وأوضح أن مصر «تعيش عنفاً لفظياً وأحياناً واقعياً، منذ وصول مرسي إلى الرئاسة ويتصاعد حتى أصبح معدّاً لترجمته من الشاشات والانترنت إلى الواقع»، مستبعداً أن يبادر «الإسلاميون باستخدام العنف، لأنهم في موقف ضعيف»، مرجحاً أن يبدأ هذا العنف من «بقايا النظام أو بعض القوى المحسوبة على المعارضة»، محللاً هذا الأمر بأن «هذه القوى عندما لم تستطع أن تقنع الجيش بالنزول، فإنها ترغب في توسيع دائرة العنف، وإدخال مصر في مزاج عام يشي بانهيار الدولة، ما يجبر الجيش على النزول». وأكد عناني أنه «من ناحية علمية بحتة، لا مقدمات لثورة جديدة، فالإخوان تنظيم لا نظام، وهم الآن يملكون ولا يحكمون، فضلاً عن أنهم تنظيم إيديولوجي عقائدي لديه مشروع يدافع عنه بقوة، بعكس الحزب الوطني، الذي كان مجرد تجمع مصالح، يضاف إلى هذا أن أحداث يناير تخللها عصيان مدني شامل، وهو ما لم يحدث حتى الآن»، مختتماً حديثه بأن هناك مشكلة حقيقية في إدراك كل طرف للآخر ولشكل الأزمة والخروج منها، مما يؤشر إلى أن مأزق مصر ربما لن يحل إلا عبر المرور على الدماء، وخاصة في ظل حالة إعلامية عامة غير مسؤولة».
وعلى الجانب الآخر من المشهد، أعلن «التيار الشعبي» عن إلغاء مؤتمر في منطقة إمبابة الشعبية كان مقرراً عقده أمس بمشاركة قائد التيار حمدين صباحي، بالاشتراك مع رئيس حزب «الدستور» محمد البرادعي، وعدد من القوى السياسية والشخصيات العامة، تحت عنوان «مصر على فين بعد 30 حزيران»، مبررين هذا الإلغاء بأنه يعود لأسباب أمنية تتعلق بعدم القدرة على تأمين الشخصيات المشاركة، وهو ما يعكس حجم الخوف والترقب لدى كل الأطراف، مكتفين بتنظيم مسيرة شبابية في المنطقة من شباب التيارات المشاركة.
في موازاة ذلك، شارك مئات في تظاهرة أمام مقر وزارة الدفاع في القاهرة، للمطالبة بإسقاط محمد مرسي، هاتفين «الشعب يريد إسقاط النظام» وهاتفين «ارحل».
كذلك شهد ميدان التحرير، محاولة استباقية لحجزه، حيث شهد نصب أول بضع خيام داخله من معارضين للرئيس، في ظل الحديث عن رغبات من كل طرف بشغل الميادين أو حجزها قبل 30 حزيران.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، ألقى مجهول زجاجة مولوتوف على مقر حزب «مصر القوية» في منطقة الوراق في الجيزة، من دون وقوع خسائر بشرية، مع احتراق بعض من مقارّ الحزب، الأمر الذي عدّه مراقبون محاولة لجر الحزب إلى مربع العنف، بعد موقف رئيس الحزب عبد المنعم أبو الفتوح، الذي طالب فيه بانتخابات رئاسية مبكرة، من دون إسقاط مرسي بالقوة. وعلى المستوى الرئاسي، احتج عشرات من المعارضين لمرسي عليه أمام منزله وأثناء خروجه لأداء الصلاة، وحدثت مناوشات بينهم وبين أنصاره.
إلى ذلك، أصدرت مؤسسة الرئاسة كتاباً وموقعاً إلكترونياً حمل اسم «عام من الرئاسة المصرية..الخطوات والتحديات»، ذكرت فيه ما عدّتها انجازات الرئيس، وخططه.