بعد نحو ثلاثة شهور على القرار الأميركي نقل إدارة ملف الأزمة السورية من اليد القطرية _ التركية إلى اليد السعودية، تبدو المملكة في ورطة. فهي تسلّمت تركة ثقيلة من التعقيدات السياسية والعسكرية، ومناخات أزمة ثقة على أكثر من صعيد. وترافق ذلك مع تغيير نوعي في الواقع الميداني لمصلحة النظام السوري وحلفائه في أكثر من منطقة.
وجاءت العودة المفاجئة والإلزامية للملك السعودي عبدالله إلى الرياض، قاطعاً إجازته في المغرب، لتضفي المزيد من عناصر التوتر، خصوصاً أن المعلومات الواردة من السعودية تفيد عن توسّع اللجنة المكلّفة بمتابعة ملف الأزمة السورية ومتفرّعاتها، ولا سيما أن المسؤوليات المباشرة باتت تشمل سوريا ولبنان والأردن والعراق، إضافة إلى ملف حسّاس تخشاه الرياض، ويتعلق باليمن، حيث تكثر الدبلوماسية السعودية من إظهار الخشية من «تعاظم النفوذ الإيراني» من بوابة الحوثيين.
وبحسب متابعين، لا توجد استراتيجية متماسكة لدى السعودية، وهناك تباين قائم مع عدد من الدول، مثل مصر وتركيا وقطر وحتى الأردن، إضافة إلى شعور سعودي بأن الولايات المتحدة لا تقوم باللازم، ولا تتخذ الخطوات الهادفة إلى «التورّط» الدولي» أكثر في الملف.
ويقول المعنيون إن السعودية تشعر اليوم بصعوبة وضع استراتيجية تثبّت المواقع، وهي تحبّذ، لا بل تشجّع، على مزيد من حالات الفوضى، ريثما تتمكّن من التوصّل إلى قرارات حاسمة. وتتجلّى استراتيجية الفوضى السعودية بالآتي:
أولاً: استمرار التحريض على حكومة نوري المالكي في العراق، وتوفير دعم غير مسبوق للجماعات المعارضة في بعض مناطق الوسط والغرب، وسط حديث عن دعم مالي وعسكري، وعن «غضّ الطرف» عن حركة الانتحاريين الذين زاد نشاطهم في الآونة الأخيرة. وإن المسؤولين السعوديين يضغطون على جماعتهم في العراق لعدم الذهاب نحو تسوية مع الحكومة العراقية.
ثانياً: في ملف الأردن، تمارس السعودية الضغط الكبير على ربط الدعم الخليجي لعمّان بها، وهي مارست الضغط المباشر على قطر والإمارات العربية المتحدة لمنع تزويد ملك الأردن أي مساعدات، خاصة قبل أن ينخرط أكثر في الأزمة السورية، علماً بأن في أوساط ملك الأردن مَن يراهن على «نقاش خافت» يجري في أوساط قيادة مجلس التعاون الخليجي ويستهدف البحث عن هدنة مع إيران وتسوية مع العراق.
ثالثاً: دفعت السعودية إلى التدخل في التركيبة السياسية القيادية لقوى المعارضة السورية، وهي باشرت اتصالات مع كل المعارضين واستدعت كثيرين منهم إلى الرياض، وتدفع نحو تغيير هيكلي يتيح السيطرة على القيادة السياسية، بالتزامن مع النشاط الدولي لتوحيد القوى العسكرية للمعارضة. وترفض السعودية أي محاولة لاعتبار الفرق الإسلامية المتشددة خصماً لقوى المعارضة، لكنها تحثّ على تنسيق أكبر بين هذه المجموعات وبين قيادة الجيش الحر.
وإلى جانب الموقف السعودي الرافض لعقد مؤتمر جنيف الآن، فإن المملكة سرّعت من وتيرة التسليح، ويجري الحديث عن صفقات عدة لشراء أسلحة من «تجار السوق السوداء» ونقلها على عجل إلى الأراضي السورية عبر تركيا والعراق والأردن، في ظل المصاعب التي تخص الجبهة اللبنانية.
رابعاً: بعد معركة القصير، أبلغت السعودية جميع حلفائها في بيروت وقف كل أشكال التفاوض مع فريق 8 آذار بشأن حكومة تمام سلام، والإصرار على رفض مشاركة حزب الله في الحكومة إلا مقابل انسحابه من سوريا. وترافق ذلك مع رفع مستوى الدعم لكل المجموعات الناشطة على الأرض في سياق خلق مناخ عملاني معادٍ لحزب الله في لبنان. وقد تكثّفت الاتصالات مع شخصيات شيعية معارضة لحزب الله لأجل حثّها على أنشطة على الأرض.
وعلى خطٍ موازٍ، أطلقت السعودية العنان لأوسع حملة مذهبية عبر كل وسائل الإعلام التي تملكها أو تمون عليها في لبنان والعالم العربي، إلى جانب الحملة من خلال رجال الدين ضد الشيعة بصورة مباشرة، والوصول إلى حد اعتبار إيران وحزب الله الخطر الأكبر على «أهل السنّة»، وهو الأمر الذي انعكس مزيداً من التوتر على أكثر من صعيد، وخصوصاً أنه ترافق مع نشاط أمني ضد كل ما تعتقد السعودية أنه مناصر لإيران وحزب الله. وتبيّن أن الحملة لا تستهدف الشيعة فقط في دول الخليج، بل حتى شخصيات محلية من هذه الدول، كانت تدعو إلى علاقات حسنة مع إيران وتعلن دعمها لمقاومة حزب الله.
لكن الملف الأكثر حساسية، الذي لا تريد السعودية إبرازه إلى الضوء الآن، هو المتعلق باليمن، حيث تظهر خشية كبيرة، ليس من تعاظم قوّة الحوثيين، بل من احتمال حصول تمرد قوي في الجنوب، وأن تقوم إيران بدعم هذا التمرد، وتعمل على إقامة تحالف بينه وبين الحوثيين الذين يتوسّعون في محافظات عدة، وصولاً إلى قلب العاصمة.
مَن راقب المؤتمر الصحافي أمس لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وكلامه المرتفع على مسمع نظيره الأميركي جون كيري، يمكنه تلمّس التوتر الكبير الناجم عن الفشل في إدارة السعودية لأزمة بهذا الحجم.
لكن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من الأخطاء وليس إلى تراجع في الخطوات التي تقود المنطقة إلى جحيم من نار تخشى دول كثيرة أن تصل إلى أراضيها.
وفي السياق، أكد سعود الفيصل، خلال المؤتمر الصحافي مع كيري، أنّ المملكة «لن تقف مكتوفة الأيدي في مساعدة الشعب السوري للدفاع عن نفسه». ودعا الاتحاد الأوروبي إلى «التفعيل الفوري لقراره (تسليح المعارضة) نظراً للمستجدات الخطيرة». وأضاف «لا يمكن اعتبار سوريا الآن إلا أرضاً محتلة، ما يتطلب رداً حازماً دولياً سريعاً»، معتبراً أنه «لم يعد هناك أي مبرر أو منطق يسمح لروسيا باستمرار تسليح النظام». وطالب «بصدور قرار دولي واضح لا لبس فيه يمنع تزويد النظام السوري بالسلاح، ويؤكد في الوقت ذاته على عدم مشروعية هذا النظام».
وشدّد على أنه لم يعد يمكن السكوت أو التغاضي عن مشاركة إيران حزب الله في الصراع الدائر.
أما كيري الذي قرر إضافة الإمارات إلى جولته التي تشمل الأردن والكويت، فقال من جهته إنّه جاء إلى السعودية من أجل تنسيق دعم المعارضة بين واشنطن والرياض. وعبّر عن تشاؤمه من الوضع داخل سوريا، مشيراً إلى أن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً مع تدخل قوات خارجية لحزب الله والحرس الثوري الإيراني بطلب من دمشق.
وكان كيري استبق وصوله إلى الرياض بالتأكيد أنه «إذا لم تقم الولايات المتحدة بشيء ولم يفعل العالم شيئاً، حينئذ ستصبح سوريا في وضع أسوأ مما هي فيه الآن».
ودعا كيري إلى زيادة الدعم للمعارضة السورية، متّهماً إيران «بتدويل» النزاع عبر «الدور المتزايد في الحرب» لمقاتلي حزب الله. وشدّد على أنّ بلاده لا تسعى بالضرورة إلى انتصار مسلحي المعارضة، بل «تريد تصعيد الضغط على الأسد إلى أن يوافق على مفاوضات سلام، كما حددها مؤتمر جنيف السنة الماضية».
وردّ وزير الإعلام السوري عمران الزعبي على حديث الفيصل، معتبراً أنّ الدبلوماسية السعودية المرتجفة خوفاً من انتصارات الجيش السوري لا يسعها أن تمثل الشعب السعودي الشقيق، ولا محل لها في أي حل سياسي. ورأى أنّه «لا تثريب على سعود الفيصل إذا اعتبر أن سوريا أرض محتلة وفلسطين محررة، وذاكرته المثقوبة وأحلامه الموهومة تسيطر على خطابه»، معتبراً أنّ العنف في سوريا سببه سلاح سعودي وأموال سعودية وإرهابيون تابعون للسعودية والفيصل غارق بدم السوريين.

(الأخبار)