يأتي تعيين الفريق أول مصطفى عثمان عبيد قائداً للجيش في السودان مكان الفريق أول عصمت عبد الرحمن، أول من أمس، في سياق عملية إبدال وإحلال واسعة قامت بها وزارة الدفاع في رئاسة هيئة الأركان العليا، بالتزامن مع إجراء تعديلات أخرى في قانون القوات المسلحة، فيما يخوض الجيش معارك متواصلة مع «الجبهة الثورية» في جنوب غرب البلاد. وفيما وصفت القيادة العليا للقوات المسلحة الإجراء بالروتيني، باعتبار أن أعضاء هيئة الأركان المقالين بلغوا سن التقاعد، إلا أن متابعين يرون أن تغيير قيادات عليا في الجيش يثير الكثير من التساؤلات، ولا سيما أن المعارك الأخيرة كشفت ضعف قدرات الجيش القتالية؛ على الأقل في الوقت الحالي، رغم أن 70 في المئة من ميزانية الدولة مخصصة للأمن والدفاع.
ويسود اعتقاد واسع بأن وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، يسعى من خلال التغييرات الأخيرة التي أجراها في قيادات الجيش، الى تقريب عدد من القادة الذين تجمعهم معه علاقات وطيدة وولاء شخصي منه، ولا سيما بعد تعرض الوزير لانتقادات واسعة عقب سيطرة مقاتلي «الجبهة الثورية» على مناطق في شمال كردفان قبل أكثر من شهر.
ووصلت تلك الانتقادات إلى درجة ارتفاع أصوات من داخل البرلمان، منادية بسحب الثقة من الوزير بعدما عجزت القوات المسلحة السودانية عن حسم معركة «أبوكرشولا» وتكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
في هذه الأثناء، يرى محللون أن تدنّي مرتّبات الجنود أدى الى ضعف الروح المعنوية لدى الجيش، وأن الجنود يقاتلون في ظروف صعبة ومعقدة، مشيرين في الوقت ذاته الى قضية جوهرية وهي البنية الأساسية لأفراد الجيش، إذ إن أكثر من 80 في المئة منهم هم من أبناء ولايات دارفور وجبال النوبة. وهم يقاتلون في هذه المناطق وتربطهم في الوقت ذاته علاقات قربى وصلة دم بمقاتلي «الجبهة الثورية». علاقات أفقدت ثقة الضباط بجنودهم، ما دفع البعض إلى الاستعانة بقوات الأمن و«المجاهدين» بعد اكتشاف خونة في أوساط الجيش.
ويبدو أن وقوف بعض قادة الجيش ضد الحرب عجّل برحيلهم. فوحدة الجيش وتماسكه في هذه المرحلة مهمان جداً لرفع الروح المعنوية للقوات المقاتلة.
لقد أصبحت مؤسسة الجيش في الفترة الماضية محل انتقادات واسعة من الرأي العام وحتى من القيادة السياسية ممثلة بنائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، نافع علي نافع، الذي دعا الى «نفرة كبرى» لمؤازرة الجيش في معاركه المفصلية، وقال إن الجيش غير قادر على حسم المعارك منفرداً.
ويفسر خبير عسكري تحدث لـ«الأخبار» مغزى التعديلات الشاملة في قيادة القوات المسلحة وقانونها، قائلاً إن «تغيير القيادات أفصح جهراً عن الخلافات التي تدور في أجهزة الدولة الأمنية، ونعني القوات المسلحة وجهاز الأمن الذي يتّهمه قادة الجيش بالتغوّل (الهيمنة) في أدواره بالقيام بالأدوار الاستراتيجية».
ويذكّر بأن المعارك الأخيرة التي خاضها الجيش لم تُحسَم إلا بعد مساعدة جهاز الأمن الوطني.
وكان لافتاً أن التعديل في قانون القوات المسلحة الذي أجيز أول من أمس في البرلمان السوداني، قد زاد من إحكام القبضة العسكرية الأمنية على كل مفاصل الدولة، حيث أبرزت سمات القانون تعديلاً في المادة (4) نصت على إخضاع كل من يرتكب جريمة تمسّ أمن الدولة وسيادتها لمحاكمة عسكرية، ما يعني أن المادة المُجازة من قبل أعضاء الهيئة التشريعية القومية ستتيح للقوات المسلحة تعريض المدنيين لمحاكم عسكرية. وذلك رغم محاولات وزير الدفاع التخفيف من حدة المادة بتأكيده وجود رقابة في نص القانون من المحكمة العليا لأحكام المحاكم العسكرية. أمر يجعل القانون مرناً ويتيح له المرور بكل المراحل التي تمر بها الأحكام القضائية.
إلا أن هذه الخطوة اعتبرها البعض تحجيماً من دور جهاز الأمن، فيما تعطي القوات المسلحة صلاحيات أوسع. والحكومة السودانية إذ تنفذ ذلك القانون الصارم، فإنها تكون قد خلقت حالة تجييش عامة وسط السودانيين، وتصبح القوانين العسكرية هي القوانين الناجزة.
(الأخبار)