ريف دمشق | تأتي الأخبار من أحياء دمشق الجنوبية بوتيرة عنف متصاعدة، حيث عاشت دمشق والمحافظات الجنوبية ليلة مظلمة جرّاء قطع التيار الكهربائي كلياً بعد ضرب محطات الوقود. الظلام انسحب على حياة أربعة مواطنين في منطقة باب شرقي، انتحاري أحال نهارهم ليلاً. استهدفهم وقت حاجتهم، داخل مقرّ للخدمات الطبية في جمعية دار الإحسان. ومن داخل العاصمة إلى «طريق الموت». رجل يرتدي بزّة عسكرية يركض محاولاً إسعاف امرأة بعدما أصابتها رصاصة قنص في قدمها اليمنى وخرجت لتستقر في اليسرى. مشهد لن ينساه ركاب الحافلة التي كانت تعبر حرستا من العاصمة باتجاه الساحل السوري. كمية الدم النازف من المرأة تشي بموت حتمي. ولربما تحسدها أمهات أُخريات لأنها قدمت إلى دمشق لتلتقي ابنها الجندي في الجيش. فشلت محاولة إسعافها. هي مفارقات القدر على طريق الموت في حرستا. طريقٌ استبدله المسافرون أخيراً بطريق التل ــ معربا رغم استغراقه وقتاً أطول بساعة على الأقل. لم ترأف السلطات بعد بالمدنيين، وبدل ترك حرية العمل العسكري للجيش في حرستا بعد فترة من التعثر بالسيارات المقلوبة والجثث المرمية دون التجرؤ على انتشالها، ما زال الطريق مفتوحا جزئياً تعبره بعض السيارات على مسؤولية أصحابها، بالإضافة إلى بعض الحافلات المنطلقة من حمص نحو دمشق.
قذيفة نزلت في المحيط، قرب مبنى تابع للمخابرات الجوية. أصابت القذيفة مسافرين أبرياء، واستمر القناص في مهمته التي اتسعت وتشعبت بحكم معلومات «الأخبار» عن تقدّم القناص واقترابه من الأتوستراد الدولي، رغم كل الشائعات عن مقتله على يد عناصر الجيش. إذاً، إنها تمطر قذائف ورصاصاً في حرستا، والمدنيون يصرخون والدماء تلوّن الطرق والسيارات. طريق التل ــ معربا الذي تسلكه بعض الحافلات المسافرة إلى حمص والساحل السوري، هو البديل الأكثر سلاماً. عليك أن تصعد في الطريق الجبلي، ولا ضير من نظرة سريعة إلى أسفل، حيث دمشق ترزح تحت دخان كثيف، فهُنا نزلت قذيفة، ومن هُنا انطلقت أُخرى. ومن الأعلى يسمع صوت مدفعية الجيش السوري برعب صوتها. في معربا يتابع المسافرون مظاهر الحياة في القرية البعيدة التي لم يستطع معظمهم المرور فيها لولا الأحداث الأمنية الأخيرة. كتابات ممحية على الجدران تعبّر عن توجّهات بعض أبنائها نحو «الحرية»، وتوحي باستعداد للحاق بالركب «الثوري» الدامي الذي لفّ البلاد كلها. يرى أحد العسكريين أنّ تقدّم الجيش البطيء في حرستا يقابله تركيز أكبر على منطقة برزة، فيما ينشغل الجنود بتكفيك العبوات والقبض على القناصين في حيّ القابون المشتعل. إصرار الجيش على التقدم العسكري يزداد من أجل إحراز إنجاز ظاهر ميدانياً قبل شهر رمضان، أي خلال أيام، ما يؤذن بتصعيد من نوع آخر، لا سيما بعد وصول أسلحة متطورة إلى مسلحي المعارضة في ريف دمشق. أخبار تتعاكس مع ما تشيعه صفحات التنسيقيات المعارضة، إذ تتهم النظام باستعمال الأسلحة الكيميائية في منطقة حرستا، التي أصبحت مغلقة ومحاصرة. المعنويات القتالية عالية لدى مقاتلي الجيش السوري من خلال تطبيقهم تكتيكات استباقية متبعة في الغوطة الشرقية، وتفضي إلى خسائر غير متوقعة بين صفوف الطرف الآخر.
وبينما يتابع الجيش السوري تقدّمه بين جوبر والقابون وصولاً إلى معمل الصابون، تصل أخبار سيطرة الجيش على مدينتي تلكلخ والقريتين، وتطويق قلعة الحصن التي لا زالت بيد مسلحي المعارضة. وفي وقت تستغيث التنسيقيات لنصرة قلعة الحصن، تستمر الاشتباكات بين الجيش والمعارضة، باعتبارها المعقل الأخير للمعارضة في ريف حمص الغربي. مصادر عسكرية تؤكد أن معظم المسلحين في الحصن هم لبنانيو الجنسية.