في موقفٍ وصفته وسائل إعلام عبرية بالشاذ والنادر، ووضعته أخرى في سياق تطويق مفاعيل الانتصار الذي حققه حزب الله في القصير، قدّم رئيس الأركان الإسرائيلي، بيني غانتس، قراءته الخاصة لوضعية حزب الله الحالية، فعبّر عن ذلك بالقول إن «النار بدأت تشتعل في عباءة (الأمين العام للحزب السيد حسن) نصر الله». وفي ظل نبرة الارتياح التي جاء موقف غانتس مغلفاً بها، رأى معلقون إسرائيليون أن ما قاله غانتس يعكس الفهم الجديد في الجيش الإسرائيلي لمكانة حزب الله و«الفرصة التي نشأت (بالنسبة إلى إسرائيل)، في ضوء التغييرات الإقليمية التي أدت إلى إضعافه». وما لم يقله غانتس في معاني هذه الفرصة، تكفلت به مصادر أمنية أوضحت لصحيفة «معاريف» أنّ الصعوبات الكثيرة التي يواجهها الحزب ناتجة من محاربته على ثلاث جبهات: الجبهة الإسرائيلية، وجبهة المسلحين داخل سوريا، وكذلك الجبهة اللبنانية الداخلية، التي «تقوضت مكانته فيها جداً». وسواء التفتت المصادر الإسرائيلية إلى دلالات سوقها الجبهتين السورية واللبنانية الداخلية في عرضٍ واحد مع الجبهة الإسرائيلية أو لا، فإن ما أكدته في المقابل هو أن جاهزية الحزب العسكرية في مواجهة الجبهة الإسرائيلية لا تزال قائمة «ومنظومة الصواريخ المنصوبة ضد إسرائيل لم تتضرر، وهي توجد في حالة تأهب عليا وقادرة على تنفيذ المهمات».
وأياً يكن، فإن الموقف «الشاذ» لغانتس جاء خلال حفل تخريج دفعة من طياري سلاح الجو بقاعدة حستور الجوية أول من أمس. وخلاله دعا وحدات الجيش الإسرائيلي إلى البقاء على جاهزية، قائلاً: «إن صورة الوضع الاستراتيجية تضع أمامنا تحديات في مديات مختلفة أكثر من أي وقت مضى. المنطقة تهتز، من الجنوب حتى الشمال. سوريا لا تزال تنزف، وفي لبنان بدأت النار تشتعل في عباءة نصر الله».
وفي ما يشبه التعليمة، تلقفت الصحف الإسرائيلية هذا التصريح، فصدرت به صفحاتها الأولى بالخط العريض وأحاطته بالتعليقات والتفسيرات. ورأت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن غانتس عبّر في ما قاله عن المزاج السائد في هيئة الأركان الذي بقي حتى الآن في الغرف المغلقة، فيما رأت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن تصريحات غانتس تأتي على خلفية التقدير في المؤسسة الأمنية بأن حزب الله في حالة ضعف استراتيجي وفي نقطة دونية لم يعهد مثلها منذ سنوات. أما مراسل الشؤون الأمنية في «معاريف»، عامير رابيبورت، فوضع أقوال غانتس وتصريحات مسؤولين إسرائيليين آخرين، خلال الأيام الأخيرة، حول حزب الله وسوريا في إطار الحرب النفسية الإسرائيلية ضد الرئيس السوري، بشار الأسد، والأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله. ورأى رابيبورت أن نصر الله صنع رأسمالاً إعلامياً ضخماً من الانتصار الذي حققه في القصير ضد المسلحين، وإن لإسرائيل مصلحة كبيرة في إعادة الماكينة الإعلامية اللبنانية إلى أحجامها الطبيعية والتوضيح أن هذا الانتصار يشبه الهزيمة، نظراً إلى كثرة الخسائر فيه. وأوضح الكاتب أن هذا هو سبب ما قاله غانتس بشأن «عباء نصر الله المشتعلة».
وأشارت «يديعوت أحرونوت» إلى أن كبار ضباط هيئة الأركان الإسرائيلية يعتقدون أنه من المحظور على إسرائيل أن تتدخل فيما «نصر الله غارق»، وفي ضوء الإدراك الموجود بأنه «بين سوريا ولبنان نشأ حلف دم نتيجة لمساعدة حزب الله لجيش الأسد، ولهذا فإن أية عملية ستجرّ رداً من الجبهتين بالتوازي».
لكن في موازاة ذلك، رأت، أيضاً، أنّ من غير المستبعد أن يحاول الحزب نقل سلاح كاسر للتوازن قريباً، مشيرة إلى أن إسرائيل ستقف في هذا الوضع أمام معضلة بين مهاجمة عملية النقل أو لا.
من جهتها، ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن حزب الله معنيٌّ بالسيطرة على هضبة الجولان من أجل فتح جبهة إضافية مقابل إسرائيل. وأشارت إلى أن الحزب، وفقاً لهذه التقديرات، يواصل خلال الفترة الأخيرة نقل الأسلحة من سوريا في إطار الاستعداد العسكري مقابل إسرائيل.
وفي تلميح إلى مسؤولية إسرائيل عن الغارات التي تعرضت لها سوريا خلال الأشهر الأخيرة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن «سلاح الجو مستعد ومتأهب لكل مهمة تلقى على عاتقه، بعيدة أو قريبة، ومن ينبغي أن يعلم بأننا لا نتكلم فقط، بل نفعل أيضاً يعلم ذلك». وأضاف: «خلال العام الماضي عملنا في ساحات كثيرة، بعضها علني وبعضها سري، وقد أنجزت المهمة فيها جميعاً من قبل طياري سلاح الجو». وعزز قائد سلاح الجو، أمير إيشيل، في كلمة ألقاها بالمناسبة التلميح الذي أطلقه نتنياهو، إذ قال: «إن الواقع فرض علينا مهمات كثيرة خلال العام الماضي، معظمها بعيدة وخفية عن الأعين، وعلى حدود الخيال».
(الأخبار)