كان آخر ما فعله أبناء مخيم خان الشيح أنهم قدموا دفعة من الشهداء أثناء اقتحامهم للحدود مع الاحتلال الإسرائيلي في ذكرى النكبة الفلسطينية قبل عامين من الآن. وأسوة بهذا المخيم الملقب بمخيم العودة لقربه من الجولان، الذي يسكنه نحو 25 ألف شخص، ورغم أن تداعيات الصراع السوري شملت جميع مناطق الوجود الفلسطيني في سورية، إلا أن كل المخيمات «الصغيرة» هي على هامش أجندات المسؤولين الفلسطينيين. هكذا هدم مخيم الفلسطينيين في درعا، وتعرض مخيم الرمل في مدينة اللاذقية لتدمير ممنهج، وكذلك مخيما النيرب وحندرات في حلب.
أما مخيم خان الشيح، فله حكاية أخرى. في يوم ما اجتمع شبان المخيم باعتبارهم جميعاً كنعانيين مغدورين على الشارع العام واشتروا المياه المثلجة من جيوبهم دون مدد من «القوى الفلسطينية». كانوا يفعلون ذلك مرحبين بما يقارب مئة ألف من السوريين الهاربين إلى المخيم من مناطق الموت والقتال الكثيرة، باعتباره آخر المناطق الآمنة في ريف دمشق.
لبى أبناء مخيم خان الشيح النداء، واستضافوا تلك العائلات المقهورة في المدارس والمنازل (بلا مقابل)، وفي الوقت الذي كانت فيه دول مثل تركيا أو الأردن تئنّ من وجود لاجئين يعدون بالآلاف على أراضيها، كان أبناء خان الشيح يتقاسمون اللقمة مع إخوانهم السوريين، لكنهم كانوا قد اتخذوا قراراً بعدم الانخراط بأي شكل من الأشكال بالصراع الدائر. هكذا قالوها ونفّذوا قولهم بجسارة: «دورنا إغاثي محض»، ولسان حالهم يقول إنّ على الفلسطيني أن يكون مع أي ثورة، لكن عليه أن يمارس «التقيّة». كانوا يتذكرون أن بدايات الأحداث في سورية قد نسبت إليهم عندما صرحت نائبة رئيس الجمهورية السورية الدكتورة بثينة شعبان ما مفاده أن عناصر فلسطينيين هم الذين أثاروا «الشغب» في درعا التي يصفها السوريون المعارضون بـ«مهد الثورة».
النازحون السوريون الذين سكنوا مدارس المخيم سرعان ما حملوا السلاح في مواجهة القوات النظامية السورية. انضوى بعضهم تحت راية كتائب وتنظيمات عسكرية لا تعد ولا تحصى، وفي ظل الفوضى ارتكبوا أخطاءً عديدة بحق من استضافهم عندما كانوا سلميين. مارس المسلحون الخطف وسرقة السيارات وجلد «السكارى» لـ«إعادة الاعتبار للشريعة». تمترسوا في المزارع المحيطة بالمخيم، ولم يستطيعوا الاقتراب منه، نظراً إلى التصدي المستمر من قبل الأهالي العزل لمجرد مرور هؤلاء بين الأزقة. لكن سرعان ما انهالت قذائف الجيش النظامي على شوارع المخيم، الأمر الذي أودى بحياة الكثيرين من الأبرياء. هكذا فرّ سكان المخيم إلى مناطق مجاورة قد تكون أحياناً أقل أمناً بعد أن كانوا يغيثون الملهوف. تجدهم بوفرة في ضواحي دمشق «دمّر» و«قدسيّا» وفي «جديدة عرطوز»، وبعضهم فرّ إلى لبنان.
صفحة «الكنعاني المغدور» على فيسبوك بطاقمها المجهول تلقي الضوء على هؤلاء المغتربين في منافيهم الجديدة، وتحاول أن تحيّي صمود من بقوا في منازلهم. أخذت الصفحة في بعض الأوقات طابعاً علمانياً، ولكنها في الأيام الأخيرة أخذت طابعاً إسلامياً.
لا أحد من طرفي الصراع في سورية يريد أن يقتنع بخصوصية الوجود الفلسطيني، ورغم المحاولات الشديدة التي بذلت من وجهاء لتجنيب المخيم الدمار، إلا أن المعاناة ما زالت مستمرة.