توقفت اعتداءات إسرائيل في سوريا، أو بعبارة أدق، تجمّدت... مع ذلك لا يعني التوقف أو التجمد، أنّ تل أبيب باتت ممتنعة عن مواصلة العمل على فرض معادلة منع نقل السلاح الاستراتيجي من سوريا، أو عبرها، إلى لبنان. والتطورات الميدانية في الساحة السورية أخيراً، وتحديداً ما يرتبط باستعادة الجيش لزمام المبادرة وتراجع المسلحين، قد يفرض على إسرائيل اصراراً أكثر على فرض المعادلة المنشودة، طالما أن امكان فرضها بوسائل أخرى، عبر انتصار المسلحين، بات متعثراً، إن لم يكن ممتنعاً.
في نفس الوقت، يؤكد الفعل والقول الإسرائيليان، أن تل أبيب لا تريد، بل وأيضاً تخشى، انزلاق محاولة فرض المعادلة، باتجاه دفعها للتدخل المباشر في القتال الدائر في سوريا، التدخل الذي يستقر الرأي في إسرائيل على أن تهديداته أكثر بكثير من فرصه. وتداعيات تدخل كهذا، قد تكون أكبر من قدرة إسرائيل على التحمل، وبالحد الأدنى، أقل بكثير من الانجازات التي قد تتمكن من تحقيقها، في حال قررت التدخل العسكري المباشر في سوريا، أو جُرّت إليه.
في تشريح للموقف، يمكن القول إنّ إسرائيل تتعامل مع سوريا على أنها ساحتان، لكل منها حساباتها ومخاطرها وفرصها، إلا أن الساحتين، لسوء حظ تل أبيب، متداخلتان: ساحة تهديد السلاح الاستراتيجي مع تشعباته وتفرعاته وتهديداته، وساحة الحرب الدائرة في سوريا، مع تفرعاتها وتهديداتها.
وتجد إسرائيل أنّ من مصلحتها، ما دامت الفرصة مواتية، وضع خطوط حمراء في الساحة الأولى، تمنع بموجبها أعداءها من تجاوزها، وتحديداً ما يتعلق بالسلاح الاستراتيجي. أما لجهة الساحة الثانية، فتمتنع لأسباب الردع والكلفة والجدوى وإمكانية تحقيق النتائج، من الدخول فيها. مع ذلك يصعب على إسرائيل أن تفرض معادلة منع انتقال السلاح من دون الانزلاق إلى الساحة الثانية والتدخل المباشر في الحرب.
في نفس الوقت، لدى إسرائيل شبه يقين، بأن الرد السوري آت لا محالة، إن أقدمت على شن هجوم جديد في الأراضي السورية. الرد السوري، من جملة عوامل أخرى، حاضر على طاولة اتخاذ القرار في تل أبيب، ويعطي مفاعيله الردعية، حتى الآن، رغم خلاف التقديرات حول حجم الرد وتناسبيته مع الاعتداء الجديد، وإن كان بمقدوره التسبب بمواجهة أشمل، تتجاوز الرد والرد على الرد.
خلال الأسبوعين الماضيين، وتحديداً خلال الأسبوع الأخير، صدرت عن إسرائيل جملة من المواقف والتصريحات التي أريد لها أن تكون معبّرة عن وجود حزم واصرار على مواصلة فرض معادلة منع انتقال السلاح الاستراتيجي من سوريا إلى لبنان. إلا أن نفس المواقف والتصريحات كانت دالة على حجم القلق والخشية من الآتي، سواء في أعقاب اعتداء جديد قد تشنّه في سوريا، أو تجاه عمل يبادر إليه أعداؤها، انطلاقاً من سوريا، أو خارج سوريا.
وبانتظار الاعتداء الإسرائيلي، أو الاستمرار بالامتناع عنه، يشير موقف تل أبيب إلى الآتي:
أولاً: يؤكد القول والفعل الإسرائيليين، على مواصلة محاولة فرض معادلة منع انتقال السلاح الاستراتيجي من سوريا إلى لبنان، إلا أنّه يؤكد أيضاً، أن تل أبيب غير معنية، في نفس الوقت، بانسحاب ذلك على القتال الدائر في سوريا، أو التسبب بما من شأنه جرها إليه. الأمر الذي يعني، في المقابل، أن التدخل العسكري الغربي والعربي بأداة إسرائيلية، ما زال مستبعداً في هذه المرحلة.
ثانياً: أي مبادرة عدائية إسرائيلية جديدة في سوريا، لن تقتصر تداعياتها على مسألة الرد وحجمه وإمكان جره الطرفين إلى مواجهة لا يريدانها. ستكون إسرائيل معنية، قبل أن تتخذ قراراً بالاعتداء في سوريا، على مراعاة الرد الروسي المتوقع، إذ إن موسكو ستكون مضطرة أو حتى مندفعة، للرد على الاعتداء، وسترى فيه اعتداءً موجّها إليها أيضاً. ومن بين الخيارات المطروحة روسيّاً، تفعيل وزيادة نوعية السلاح المورّد إلى سوريا، الأمر الذي تخشاه تل أبيب، وقد يكون إلى جانب الرد السوري، عائقاً ورادعاً لها، باتجاه منعها من مواصلة اعتداءاتها.
ثالثاً: صحيح أنه جرى الاعلان رسمياً عن فتح جبهة الجولان، إلا أنّ تفعيل هذه الجبهة وغيرها، مرتبط أيضاً بالمبادرة الإسرائيلية نفسها... خاصة أن أصل فتح الجبهة أتى كرد فعل على الاعتداءات. وفتح جبهة الجولان أقل الخيارات الممكنة والمطروحة على جدول الأعمال السوري، من بين خيارات أخرى، وهو ما تدركه تل أبيب جيداً.
في كل الأحوال، المؤكد أن مواقف الرئيس السوري بالردّ على أي اعتداء جديد، باتت حاضرة بقوة في وعي القيادتين السياسية والعسكرية في تل أبيب، وباتت مفاعيلها تظهر في طيات مواقفهم. هل ينسحب الامتناع عن الاعتداءات طوال الأسابيع الماضية على الآتي؟ سؤال قد تكون الإجابة عليه بلا أو نعم، متعلقة بأصل وجود قرار بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، إذ إن الرد والرد على الرد، سيجر إسرائيل إلى ساحة القتال الدائر في سوريا، وهو شكل من أشكال التدخل، وإن بأسلوب وعنوان آخرين، من بوابة معادلة منع نقل السلاح إلى حزب الله.