غزّة | راقب الغزيون الحدث المصري بكل مراحله، قبل الخلع وبعده، بكثير من القلق، وحملوا مشاريع متناقضة ما بين الفرح بما ينجزه الشعب المصري العظيم، والخوف من تأثير تغيير النظام على الأوضاع في القطاع، وخصوصاً أن غزّة هي الحديقة الخلفية للمحروسة تتأثر بها على مختلف المستويات.
غالبية الفلسطينيين في غّزة صبوا كل اهتمامهم على الحدث المصري، وأحيوا الليالي ساهرين على الشاشات يترقبون نهاية الزحف الثوري نحو الميادين والقصور الرئاسية. الفنان التشكيلي باسل المقوسي، تابع الأوضاع التي عاشتها مصر لحظة بلحظة، يقول «مصر هي المتنفس الوحيد للغزيين، لذلك، فإن أي حدث يقع في مصر يتابعه أهل غزة بكل تفاصيله»، مشيراً إلى أن «ما حدث كان نتيجة طبيعية لإرادة الشعب؛ فحماية الجيش للثورة المصرية للمرة الثانية يؤكد أن الجيش وجد لحماية الشعب»، متابعاً بسخرية «وليس لأغراض شخصية خاصة وشراء خضار وتوصيل أبناء الحكومة للمدارس!»، في اشارة الى ما يقوم به بعض العسكريين في الكثير من الدول لرؤسائهم.

وفي رأي المقوسي، فإن التأثير الأكبر والسلبي على غزة سيكون على الحكومة المقالة في القطاع، التي تصف نفسها بأنها امتداد لحركة الإخوان التي كانت تمثل الرئاسة في مصر.

محمد الحاج محمود، وهو مهندس حاسوب، يقول «ما يحدث كالسيف، له وجهان؛ الوجه الأول هو عدم فهم الشعوب العربية لمعاني الديموقراطية وفكرتها، وهو وجه غير صحي، والوجه الثاني هو صحوة الشعوب ورفضها للعبودية والجور والاستكانة لأي حاكم مهما كان». يتابع أن «قطاع غزّة يعيش حالة من الوهم في ما يتعلق بالحالة المصرية؛ فمهما تبدل الرؤساء، تبقى السياسة العامة ثابتة، لأن النظام محكوم بسياسة دولية وخارجية مرسومة له، وهو يطبقها مهما اختلف شكل الحكم».

غير أن المواطنة رانيا القيشاوي، رأت أن «النتيجة التي انتهت اليها ثورة «30 يونيو» بعزل مرسي سيئة وجيدة في الوقت نفسه»، مبدية تخوفها «من امكانية انعكاس الأزمة على المواد الأساسية الفلسطينية كالمحروقات والمواد التموينية، التي تأتي من مصر بغالبيتها».

مدرس اللغة العربية رمضان أرشي، يشرح هذا الأمر أكثر، ويقول إن «الإمدادات والاحتياجات الأساسية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة تدخل من مصر عن طريق الأنفاق، لذلك فمن مصلحة الفلسطينيين متابعة الوضع المصري لمعرفة مصير الأنفاق والإمدادات، التي تأتي من مصر، وقد زادت بعد قيادة الإخوان».

ويبدو أرشي متشائماً، ويقول إن «الوضع سيكون أسوأ في غزة لأن وضع مصر سوف يسوء، وسيجري تقليص الإمدادات، التي كانت تدخل على نحو قانوني عن طريق معبر رفح، وأصبحت تدخل عبر الأنفاق، لأن الجيش المصري سيبقي تلك الأنفاق مغلقة»، مضيفاً أن «نتيجة ما حدث في مصر بعد سقوط حكم الإخوان سيعود علينا بالسوء»، وخصوصاً أن من يحكم قطاع غزة حركة «حماس»، التي تعد جزءاً من حركة الاخوان».

المخرج الفلسطيني يوسف لبد كان له رأي مغاير، فهو يعتقد بأن نهاية الإخوان المسلمين في مصر ستكون بداية لنهاية الإخوان المسلمين في العالم، وإن طالت المدة. يقول «في الفترة الأخيرة كان الارتباط الاقتصادي واضحاً بين مصر وغزة، ونستطيع القول إنه ساعد على كسر الحصار عن غزة. ويؤكد أن «المعادلة ستكون صعبة على الحكومة الفلسطينية الحمساوية في غزة»، معرباً عن أمله في الوقت نفسه بأن تؤدي مصر الجديدة دوراً مهماً لإتمام «المصالحة الوطنية الفلسطينية ومصالحة «حماس» مع مؤسسة الجيش والمخابرات الحربية المصرية».

الصحافي في فضائية «الكتاب»، مهند العراوي، يرى أن «ما حدث في مصر مؤسف جداً، وهي بوادر للانقسام والتفسخ، ونحن كفلسطينيين ندرك انعكاساتها جيداً، وكنا نتمنى أن تصل كافة الأطراف والتيارات المصرية للعمل في ساحات مشتركة من التوافق للنهوض بالبلاد من مستنقعات الفقر والجهل وانعدام الأمن، واستخدام العنف لفرض آرائهم»، مؤكداً أن استقرار الحالة الفلسطينية مرهون بالوضع المتقلب في مصر.

ومع أن العلاقة المصرية الفلسطينية تبدو شائكة ومعقدة، غير أنها ستفرض على الحكومة في غزة التفكير في مستقبل علاقاتها مع القيادة المصرية الجديدة من خلال فهمها الكامل لمحددات الأمن المصري، وماذا تريد مصر من غزة؟ فخصوصية العلاقة تفرض على مصر دوراً مهماً سياسياً، وأمنياً، وإنسانياً.