القاهرة | ظهر مرشد الإخوان محمد بديع ومعه دخلت البلاد دوامة جديدة من العنف الدامي سقط ضحيته أمس 14 قتيلاً وأكثر من 300 جريحاً. نتيجة بيديهية لخطاب تصعيدي وضع الناس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما قبول عودة محمد مرسي إلى سدّة الحكم أو الفوضى، التي يتخوف كثيرون من أن يأخذ بعضها شكلا طائفياً بعد الهجوم على بابا الأقباط. تطور نوعي دفع الجيش إلى توسيع انتشاره في الميادين، حيث التظاهرات، معلنا عزمه الحاسم على التدخل لوقف المواجهات بين أنصار مرسي ومعارضيه خاصة في محيط مبنى ماسبيرو، الذي أعلن «الإخوان» عزمهم على السيطرة عليه، وعدم الانسحاب منه إلّا بعد تحرير الرئيس المخلوع من قبضة الجيش.
كذلك فعل حمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي، الذي رأى أن «لا إمكانية لوجود حرب أهلية... العنف مصيره الانحسار، وهو غير قادر على تهديد الناس، ومن يتوجه للاستيلاء على التحرير فسيجد الشعب المصري أمامه»، مشيرًا إلى أن «اللجوء إلى العنف سيزيد من خسائر الإخوان»، وفعلت أيضاً حملة «تمرد»، التي أكدت «دعوتها إلى الاحتشاد الأعظم يوم الأحد المقبل في كل ميادين مصر ومحافظاتها» للدفاع عن «الشرعية الشعبية والحفاظ على مكتسبات الثورة».
أما رئيس حزب الدستور محمد البرادعي، فقد أدى دوره في «رفض الموقف الاميركي ممّا يجري في مصر»، مشيرا إلى أن ما تصفه واشنطن بأنه انقلاب «يجب ان تنظر اليه على أنه اعادة انتخاب كما حصل في ولاية كليفورنيا».
وكان بديع قد أطل من على منصة رابعة العدوية على وقع التصفيق والأناشيد، محاطاً بكوادر الإخوان، بينهم نساء، بخطاب مفعم بالتعابير الدينية من قبيل «جموع خرجت لنصرة دينك، تحرير مصر»، «والله أكبر على كل من طغى وتكبر وخائن ومفرط في حق دينه»، ليتابع بذلك الخطاب نفسه الذي أوصل الإخوان الى الهالكة، عندما صنفوا معارضيهم بالطغاة والخونة والكفرة. وأضاف «اللهم إنك تشهد أن الجموع خرجت لنصرة دينك، ولتحرير مصر من محاولات سرقة ثورتها، وعودة كل الحريات إلى كل شعب مصر، ولا تنتقص، وسيبقى الملايين في كل الميادين، لكي نحمي رئيسنا المنتخب محمد مرسي»، قائلاً «حنجيبو على اكتافنا ونفديه بأرواحنا». قبل أن يهتف عالياً وبحماسة «مرسي مرسي» وتردّ خلفه الجماهير.
وقال «يا شعب مصر، الإخوان المسلمون عاشوا خدماً لكم، وتعرفونهم، ويقلون عند الطمع، وعاشوا معكم في ثورة يناير، وتشهدون كيف قضينا على نظام بائد، وأنهينا الثورة بتولي رئيس منتخب مؤمن، فهو رئيسي ورئيسكم ورئيس كل المصريين». ورأى أن وسائل الإعلام تزور حقائق ما يدور في مصر. وكانت حماسة بديع الخطابية عالية، وخصوصاً حين دعا الجيش إلى الانسحاب الى قواعده، والكاميرات كي تلتقط الصور له ولأنصاره.
وكان بديع حريصا على نفي كل الأنباء عن اعتقاله. قال «انا لن افر ولم يُقبض علي، هذا كذب وافتراء وتضليل وتزوير، ونحن لسنا فرار بل نحن ثوار»، قبل أن يضيف، في رسالة للبابا تواضروس، «لقد خالفت يا أنبا تواضروس ما أوصاك به البابا شنودة بالبعد عن السياسة». وأضاف: «كل المصريين نزلوا إلى اللجان واختاروا برأيهم، منهم من اختار د. محمد مرسى من المسلمين ومنهم من رفضه، والأقباط كذلك منهم من اختاره ومنهم من رفضه، لذا يا بابا تواضروس لا تتحدث باسم الأقباط أنت رمز دينى فقط». كما ووجه رسالة إلى شيخ الأزهر قال فيها «إلى شيخ الأزهر ... أنت رمز ولكنك لا تتحدث باسم المسلمين، كل فرد من الشعب مسيحي أو مسلم يتحدث باسمه، فالحرية أعطتنا هذا الحق».
وكان بديع قد عقد اجتماعاً بعدد من أعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان بقاعة (2) بمسجد رابعة العدوية، تمهيدا لتوجيهه كلمة لأنصار الرئيس المعزول، المشاركين في «مليونية الرفض». وضم الاجتماع كلًّا من محمد علي بشر، وزير التنمية المحلية المستقيل، وعبد العظيم الشرقاوي، ومحمد وهدان، والدكتور عبد الرحمن البر، المعروف إعلاميا باسم «مفتي الجماعة».
ويأتي ظهور بديع على جماهير الإخوان، بعد أنباء سرت حول اعتقاله من عدمه، غير أن مصادر «الأخبار» قالت إن بديع أُطلق سراحه ظهر أمس، وأن كلمته أمام مسجد رابعة العدوية تمت تحت إشراف الجيش.
واستباقاً لأي تصرف من الجماعة عقب عزل الرئيس محمد مرسي، صدرت قرارات اعتقال لـ220 ممن ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وجرى القبض حتى أمس على نحو20 قياديا، أبرزهم خيرت الشاطر، نائب المرشد، سعد الكتانتي، رئيس حزب «الحرية والعدالة»، وعدد من أعضاء مجلس الشعب المنحل، كما ألقت قوات الشرطة بمنطقة سجون طرة القبض على عبد المنعم عبد المقصود، محامي جماعة الإخوان المسلمين، وذلك أثناء حضوره إلى سجن طرة لحضور التحقيقات التي تجرى مع أعضاء الجماعة.
وبالنسبة إلى وضع مرسي، تشير كل الوقائع الى أنه قيد الاعتقال، وخصوصاً بعد مطالبة شيخ الأزهر أحمد الطيب القوات الأمنية بالإفراج الفوري عن مرسي وإعادة بث القنوات الدينية التي جرى إغلاقها.
كما تم تأكيد توقيف نائب المرشد خيرت الشاطر بتهمة التحريض على العنف.
وبدأت نيابة حوادث جنوب الجيزة، برئاسة أسامة حنفي، التحقيق في 9 بلاغات جديدة تتهم كلا من الرئيس المعزول مرسي وبديع، بالوقوف خلف أحداث «بين السرايات»، التي راح ضحيتها 21 قتيلاً بين مناصرين للإخوان ومعارضين لهم، كما أمرت بتشريح جثة مجهولة بعد تعرف ذويها عليها، للوقوف على أسباب الوفاة، مع التصريح بالدفن.
كذلك استمعت نيابة الجيزة أمس، الى أقوال كل من رئيس حزب «الحرية والعدالة»، سعد الكتاتني، ونائب المرشد العام لجماعة الإخوان، رشاد بيومي، في تهمة التحريض على قتل المتظاهرين أمام جامعة القاهرة، وذلك عقب انتقالهما فجراً الى سجن طرة للتحقيق معهما. ونفى المتهمان أي صلة لهما بالأحداث، وعلمهما شيئاً عنها، وأنكرا قيامهما بتحريض جماعة الإخوان المسلمين وأعضائها من الموجودين في التظاهرات على قتل المجني عليهم من أهالي منطقة بين السرايات. وخلال التحقيق أصر الكتاتني على كلمات «أنا معرفش حاجة ومنزلتش التظاهرات أصلاً»، وفق ما نقلت «اليوم السابع». ووجهت النيابة لهما اتهامات القتل العمد والشروع فيه والتحريض على القتل والعنف، ولم يتضح ان أُخذ قرار بحبسهما من عدمه.
وقال القيادي بحزب «الوطن»، يسري حماد، إن «القضاء يتعامل مع الاخوان المسلمين بنوع من الشماته والانتقام والانتقاء في إصدار الأحكام، فأصبح كل أعضاء الاخوان المسلمين مطلوبين للمثول أمام النيابة بتهمة إهانة القضاء، بينما لم يحاسب أحد على إهانة رئيس البلاد ووصفه بالخروف، فالقضاء الذي أفرج عن أحمد دومة، أحد شباب الثورة، والمذيع توفيق عكاشة، هو الذي يحاكم الآن رموز الاخوان».
وكانت مختلف محافظات القاهرة قد شهدت حالات كر وفر خلال الـ 48 ساعة الماضية، وتبين الاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الأمنية ضدّ مناصري مرسي. وقال شاهد عيان على اشتباكات المحافظة الشرقية إن «أحد الإخوانين ضُرب بالمولوتوف، وهو ما أدى لقيام آخرين في ظل صمت الشرطة تجاه الأحداث لأنهم يرمون بأنفسهم في البحر، هربا من القتل عمداً». وأضاف أن البلطجية حاصروا الإخوان بمسجد النصر الكائن على البحر بمدينة الزقازيق، كما وردت أنباء عن سقوط قتيلين من التيار الاسلامي خلال احتجاجات أمام الحرس الجمهوري.
وكانت قوات الجيش والشرطة قد أطلقت القنابل المسيلة للدموع، لتفرقة المتظاهرين من محيط دار الحرس الجمهوري، فيما أطلق المتظاهرون الشماريخ، وأُغلق شارع الطيران، ووقف حركة المرور، نتيجة زخم المسيرات.
وفي ظل هذه الأجواء، رجح أستاذ النظرية السياسية، في جامعة القاهرة، الدكتور محمد صفار، في حديث لـ«الأخبار»، أنه من المحتمل على نحو كبير في ظل هذه الأجواء، أن يكون هناك عودة لأحداث 1954، لكن بأيدي الشرطة لا الجيش، معرباً عن خشيته من أن «تُرسخ عقدة عند التيارات الإسلامية وهي أن ترسم في أذهانهم صورة مفادها: أننا لن ندخل العملية الديموقراطية وأن الدخول للسلطة يكون من خارج العملية الديموقراطية، وأنه بمجرد الاستيلاء على السلطة، لن يكون هناك مصالحات، وأن ما حدث في 54 تأكد في 2013»، محذراً من أن يصل المشهد إلى السيناريو الجزائري.