تقصّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وضع زيارته للبنان في إطارين أساسيين، على ما تفيد مصادر واكبتها: الأول، أنه المرجعية الوطنية الجامعة لكل أطياف الشتات الفلسطيني، وليس فقط لفتح أو لفصائل منظمة التحرير. وكان لافتاً في هذا السياق استقباله لعصبة الأنصار التي تتجه منذ فترة غير قصيرة لإظهار نفسها قوةً إسلامية تعمل وفق أجندة وطنية فلسطينية، وأنها طوت صفحة مشروعها الإسلامي المرتبط بصراعات السلفيين في المنطقة.
أما الإطار الثاني، فاتجه داخل كواليس لقاءاته الفلسطينية الصرفة، لترك رسائل انفتاحية على حماس ضمن أجندة المصالحة الوطنية. وداخل حلقات مرافقيه الضيقة، ترددت بكثافة عبارة أن عباس لا يريد أن يتعامل مع «حماس» بعد هزيمة الإخوان في مصر وبعد انهيار رهاناتهم على تغيير النظام في سوريا، بوصفها نداً فلسطينياً أصبح ضعيفاً.
خلاصة الانطباعات عن زيارة عباس أنها جرت في توقيت لمصلحته، ما سمح له بأن يكون أكثر إقداماً في طرح أفكاره التي يؤمن بأنها هي السبيل الأفضل للكيفية التي يجب على فلسطينيي الشتات والداخل التعامل فيها مع الوضع الداخلي والخارجي. وينقل عن عباس قوله إنه منذ انخراطه في فتح مع الرئيس ياسر عرفات، كان ينصح الأخير بأنّ على الفلسطينيين عدم التدخل في الصراعات العربية الداخلية. ويشدد هؤلاء على أن عباس يرى اليوم أن مقولته التي كانت يتيمة تقريباً لجهة مؤيديها داخل الساحة الفلسطينية، أثبتت الأحداث الأخيرة صدقيتها، وخاصة بإزاء ما جنته «حماس» من نتائج كارثية بفعل انزلاقها في متاهة التدخل في أحداث الثورات العربية.

أسرار علاقة «حماس» بسوريا

وتبيّن نقاشات فلسطينية جرت في مناسبة وجود أبو مازن في بيروت، أن «حماس» بذلت أخيراً محاولات كبيرة لإعادة ترميم علاقاتها العربية والإسلامية. وبموجبها، كلفت مسؤولين فيها البحث عن قنوات جديدة للاتصال بالقيادة السورية. وبحسب هذه المعلومات، فإن رسائل «حماس» للسوريين التي لم يحصل رد عليها من دمشق، ركزت على نقطة جوهرية تنفي صحة المعلومات التي تتهمها بأنها شاركت بالقتال إلى جانب المعارضة السورية.
وفي إطار جهدها لإقناع الوسطاء بمظلوميتها، قدمت «حماس» لهم أحد أبرز الأسرار المكونة لاتفاق المرحلة الماضية بينها وبين النظام السوري، ومفاده «أن وجود حماس في سوريا، تم على أساس اتفاق سري بينها وبين الرئيس بشار الأسد، يفيد بأن تلتزم عدم بناء تنظيم لها في سوريا، وأن يقتصر نشاطها هناك على الشأن الإداري والخدماتي والشعبي، وليس التنظيمي». وتورد «حماس» هذه النقطة لتبني عليها دليل براءتها المادي من تهمة المشاركة في القتال إلى جانب المعارضة، ولتأكيد أنه إذا وُجد أشخاص منها قاتلوا في سوريا، فإنما ذلك حصل بنحو فردي ولا يعبّر عن قرار تنظيمي؛ لأن «حماس» لا تملك بالأصل تنظيماً في سوريا.

فلسطينيو لبنان وسوريا

ونقل عن عباس المؤيد لخيار الحل السياسي في سوريا، أنه متشائم حيال تطور الوضع فيها وقلق على وضع الفلسطينيين اللاجئين هناك. يعتقد أن الأزمة السورية طويلة، وأن التباين الأميركي الروسي بشأن إنتاج حل لها لا يزال قوياً. ويخشى من ألّا يتمكن الفلسطينيون الذين نزحوا من سوريا من العودة إليها ثانية في وقت قريب على الأقل، وذلك في الوقت نفسه الذي لا يبدو فيه أن التفاوض مع إسرائيل سينتج تطبيقاً لحق العودة، أقله في المدى المنظور بأحسن تقدير.
وتقول مصادر فلسطينية أن تشاؤم عباس حيال مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، يتزامن مع معلومات تتحدث عن أن مستقبل الوجود الفلسطيني في سوريا سيقتصر في مرحلة ما بعد انتهاء أزمتها على ٥٠ ألف فلسطيني من حاملي جنسيتها. وهؤلاء هم أفراد العائلات الفلسطينية الثرية المقيمة في سوريا، ومعظمهم يمثلون جزءاً من منظومة ما يمكن تسميته «الطبقة الاقتصادية الفلسطينية المتداخلة في النشاط التجاري القائم بين سوق الحميدية وسوق لوبيه في مخيم اليرموك».
وتقول هذه المصادر إن أزمة النزوح الفلسطيني من سوريا إلى كل من لبنان والأردن، تضيف إلى القضية الفلسطينية عنصراً آخر يهدد استقرار الشتات الفلسطيني أمنياً واقتصادياً، وأن أبو مازن بحث هذا الأمر بعناية مع المسؤولين اللبنانيين الذين حثّهم على سنّ قوانين تخفف من معاناة الفلسطينيين الإنسانية والاقتصادية والحياتية (تسوية أمور المطلوبين، توسيع مجالات العمل المسموحة لهم، إلخ...). ويضيف هؤلاء أن عباس قد يقترح في مواجهة ما يواجهه الشتات الفلسطيني من فوضى جراء تداعيات الأزمة السورية عليه، خلال المفاوضات الثلاثية مع إسرائيل وأميركا، السماح لنحو مئة وخمسين ألف لاجئ فلسطيني بالعودة إلى الضفة الغربية، مع الاحتفاظ بمطالبته بتطبيق حق العودة الشاملة الذي يقع تصنيف بحثه داخل المفاوضات في المرحلة النهائية.

تداعيات

وتقول هذه المصادر إن في مقابل أهمية ترتيب أوراق السلطة الوطنية الفلسطينية استعداداً لجولة المفاوضات المنتظرة مع إسرائيل، تفرض تطورات المنطقة على رام الله استعجال ترتيب البيت الفلسطيني في الداخل والشتات خوفاً من تطورات مفاجئة. وتذكر هذه المصادر أن واشنطن لا تزال تتحفظ على قيام حكومة مصالحة بين فتح وحماس؛ لأن الأخيرة لم تعترف علناً بإسرائيل. وبناءً عليه، تفضل واشنطن أن تسبق عملية التفاوض بين رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، وأبو مازن، عملية تفاوض الأخير مع «حماس». وتضيف أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، حدد منتصف شهر تموز آخر مهلة لنتنياهو كي يكون جاهزاً للجلوس قبالة عباس على طاولة المفاوضات، وطلبت واشنطن منه أن يحسم أمره لغاية ذاك التاريخ بخصوص تبني واحد من خيارين: إما تجميد الاستيطان، وإما اعترافه بحدود عام ١٩٦٧ مع تأجيل بتّ وضع القدس للمرحلة النهائية من المباحثات. وتكشف هذه المصادر أن نتنياهو رفض شرط تجميد الاستيطان خلال الفترة التي تسبق بدء التفاوض في منتصف تموز، وأنه أبدى نياته تجاه أن يصار إلى تجميده خلال فترة المفاوضات. وكشفت أيضاً أن تفاهمات على بدء التفاوض جرت أخيراً من خلال لقاء سري جمع موفداً من أبو مازن مع تسيفي ليفني ممثلةً عن نتنياهو.