القاهرة | بعد اجتماعات ماراتونية بين الأطياف السياسية ومؤسستي الرئاسة والقوات المسلحة، أكّدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أنّ الأمر استقرّ على تكليف فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي السابق، بتشكيل الحكومة المقبلة، فيما أشار متحدث رئاسي إلى إمكان تكليف أحمد بهاء الدين هذه المهمة، وذلك بعدما اعترضت قيادات من جبهة الإنقاذ وحزب «النور» السلفي على اسم محمد البرادعي الذي اعتُبر ترشّحه منافياً لما تم الاتفاق عليه في اجتماع «3 يوليو»، في وقت لم تتبين فيه أي ملامح للانتخابات المقبلة، سواء كانت التشريعية أو الرئاسية.تطورات الحكومة تأتي في موازاة استمرار التظاهرات المتضادة بمستوى زخم ينخفض نهاراً قبل أن يتصاعد ليلاً، وتراجع وتيرة العنف خلال اليومين الماضيين، فيما أطل الداعية يوسف القرضاوي بفتوى تدعم الرئيس المخلوع محمد مرسي وتدعو الى عدم الاستجابة لإجراءات القائد الأعلى للقوات المسلحة عبدالفتاح السيسي.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن من المتوقع أن يتم اليوم إعلان تنصيب العقدة رئيساً لوزراء مصر، مضيفةً أن الرئاسة ستصدر خلال ساعات إعلاناً دستورياً يحدد تشكيل اللجنة المنوطة بالتعديلات الدستورية، من دون التطرق إلى مواعيد أي من الاستحقاقات الانتخابية، «برلمانية أو رئاسية»، موضحةً أن جميع المؤشرات تقول إنه لن يكون هناك انتخابات قبل الأول من العام المقبل. وتابعت إنه سيجري تعيين نائبين لرئيس الوزراء، أحدهما هو الفريق أول عبد الفتاح السيسي، والثاني للشؤون المالية. وتجدر الإشارة الى أن فاروق عبد الباقي العقدة عيّنه الرئيس السابق محمد حسني مبارك محافظاً للبنك المركزي المصري في كانون الأول 2003.
في هذا الوقت، أوضحت مصادر أخرى داخل جبهة الإنقاذ الوطني لـ«الأخبار»، أن هناك أزمة بين الجبهة وحركة «تمرد» بسبب طرح الأخيرة لرؤية مختلفة عن المتفق عليها، على قيادات المؤسسة العسكرية، وهي إجراء انتخابات رئاسية بعد 3 شهور تعقبها انتخابات برلمانية بعد 3 شهور أخرى ثم يجري تعديل الدستور، وهو ما يتنافى تماماً مع رؤية الجبهة التي تقترح تعديل الدستور أولاً ثم إجراء انتخابات مجلس نواب ثم انتخابات رئاسية.
وعلمت «الأخبار» من مصدر مطّلع أن جميع المحاولات التي بذلها قادة الجبهة مع السلفيين لإقناعهم بتولّي محمد البرادعي، رئيس حزب «الدستور»، رئاسة الحكومة، باءت بالفشل وسبّبت استبعاد البرادعي من رئاسة الحكومة، التي لن يترك الجيش لها صلاحيات كاملة. وتحدثت أنباء عن أن البرادعي رشح عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديموقراطي، ورئيس البورصة السابق، زياد بهاء الدين، لتولّي المنصب. لم تمض ساعات حتى رجّح المتحدث باسم الرئاسة المصرية احمد المسلماني تعيين بهاء الدين رئيسا للوزراء والبرادعي نائبا للرئيس المؤقت عدلي منصور.
وفي السياق، كشفت مصادر سياسية مطلعة داخل جبهة الانقاذ عن قيام كلّ من مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي، ورئيس حزب الوفد السيد البدوي، باتصالات مع قيادات من حزب «النور» ومشايخ السلفيين، وأبرزهم ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، والشيخ السلفي محمد حسين يعقوب، في محاولة لإقناعهم بالموافقة على تولي البرادعي رئاسة الحكومة. غير أن القيادات السلفية رفضت بحجة أنه تم الاتفاق خلال اجتماع القوى السياسية مع المجلس العسكري في «3 يوليو» على أن تتولى الحكومة شخصية تكنوقراط غير حزبية. إلا أن مصادر أخرى قالت إن «النور» يرفض أن ينضم إلى صف الجبهة المؤيدة للبرادعي كي لا يخسر قاعدته الشعبية في الانتخابات التشريعية المقبلة.
لكن رئيس حزب «المؤتمر»، عمرو موسى، قال لـ«الأخبار» إن تشكيل الحكومة لا يزال رهن الاتصالات والمشاورات بين الرئيس المؤقت عدلي منصور والأسماء المطروحة لتولّي رئاستها، رافضاً الإفصاح عن هذه الأسماء. وبشأن التوقيت الزمني للفترة الانتقالية، قال إن مدتها الزمنية لم تحدد بعد، مؤكداً أنه يؤيّد أن تتراوح هذه المدة ما بين 6 أشهر وعام، تجري خلالها مصالحة وطنية شاملة، والانتهاء من الدستور. وعن احتمال قبول البرادعي، أو أي من أعضاء الجبهة، منصب رئاسة الحكومة أو تولّي حقائب وزارية، قال موسى «إن القرار متوقف على طبيعة المشاورات، التي تجري بين الرئيس ومختلف الشخصيات، وبانتهائها سيتم الاعلان عن الموقف النهائي».
وبالنسبة إلى حزب «الوفد»، فقد شددت قياداته خلال اجتماعاتها المختلفة على ضرورة ابتعاد «جبهة الإنقاذ» وقياداتها عن تولي مناصب في الحكومة المقبلة، وأن يتم تشكيلها بناءً على الخبرة لا المحاصصة الحزبية، بحسب تصريحات ياسر حسان، عضو الهيئة العليا للحزب، لـ«الأخبار». وأكد حسان ضرورة أن تتولى رئاسة الحكومة شخصية تكنوقراط اقتصادية، مطالباً الرئاسة بضرورة ألا تصدر قرارات قبل التنسيق مع كافة القوى السياسية، منعاً لإحداث بلبلة في الرأي العام، مشيداً بتولي أحمد المسلماني منصب المستشار الاعلامي للرئيس.
على المستوى الميداني، تواصلت المسيرات والاعتصامات في مختف أنحاء مصر. وشاركت مسيرات انطلقت في مختلف المحافظات في فعاليات مليونية «شرعية الشعب»، لدعم مكتسبات «30 يونيو».
وكان اللافت إطلاق مسيرات غضب في ميادين مصر ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما بسبب دعمه لجماعة الإخوان، ووقوفه في وجه الإرادة الشعبية. ورفع متظاهرو ميدان التحرير دمية كبيرة لأوباما في الساحة، وألبسوها «فستاناً أبيض كبيراً»، وكتبوا عليها «باي باي أوباما»، وأحرقوا صوراً للرئيس الأميركي.
في المقابل، احتشد عشرات الآلاف من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي أمام دار الحرس الجمهوري، حيث وصلت عدة مسيرات تضم الآلاف من اعتصام رابعة عدوية، ووزع بعض الموجودين سترات على المشاركين كُتب عليها «مشروع شهيد». وأعلنت منصة «الحرس الجمهوري» أن «المهلة المحددة للإفراج عن مرسي ستنتهي الأحد (أمس)، مهدّدين باقتحام المقر، صباح اليوم، إذا لم يُفرَج عنه.

القرضاوي فدا مرسي

من جهة ثانية، أصدر الداعية يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى تقول «بوجوب تأييد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي»، وإبقاء الدستور مع ضرورة إتمامه، كما طالب كلاً من السيسي «ومن معه بالانسحاب حفاظاً على الشرعية والديموقراطية».
وتطرق القرضاوي إلى موقف شيخ الأزهر أحمد الطيب، فقال إن «الدكتور الطيب رئيس هيئة كبار العلماء، وأنا أحدهم، لم يستشرنا ولم نفوّضه ليتحدث باسمنا، وهو مخطئ في تأييده الخروج على الرئيس الشرعي للبلاد، وهو مخالف لإجماع الأمة... ليت الدكتور الطيب يتعامل مع الدكتور مرسي كما تعامل من قبل مع حسني مبارك! فلماذا يكيل بمكيالين؟ فهذا تخريب لدور الأزهر، الذي يقف دائماً مع الشعب، لا مع الحاكم المستبد». أما البابا تواضروس فقال عنه «لم يوكله الأقباط ليتحدث باسمهم، وقد كان منهم من شارك مع حزب الحرية والعدالة والأحزاب الإسلامية».

ملاحقة «الإخوان»

في غضون ذلك، توالت البلاغات النيابية ضدّ جماعة الإخوان ورئيسهم المخلوع، حيث قرر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود إحالة بلاغ ضد مرسي على التحقيق في تهمة إهدار المال العام والاستيلاء عليه، والحصول على منفعة من أعمال وظيفته السابقة بدون وجه حق، وذلك عن طريق منح نفسه عدداً من الأوسمة التي يحصل بناءً عليها على مكافآت مالية من ميزانية الدولة شهرياً.
كذلك ذكرت مصادر قضائية مطّلعة أن النيابة العامة فتحت تحقيقات في كيفية اقتحام السجون أثناء ثورة «25 يناير»، والتي يتورط فيها مرسي و43 قيادياً من جماعة الإخوان المسلمين، وآخرون من حركة «حماس». وكانت النيابة المصرية قد قررت حبس النائب الاول للمرشد العام للإخوان المسلمين، خيرت الشاطر، والقيادي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، 15 يوماً على ذمة التحقيقات في التحريض على قتل متظاهرين في محيط جامعة القاهرة الاسبوع الماضي.
كذلك قررت النيابة العامة ضبط وإحضار نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة»، عصام العريان، والقيادي في الحزب محمد البلتاجي، إضافة إلى الداعية الاسلامي صفوت حجازي، لاتهامهم بالتحريض على قتل المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد في المقطم.
في المقابل، قضت محكمة مصرية ببراءة 12 ناشطاً سياسياً من تهم التحريض على العنف والتعدي على جماعة الإخوان المسلمين والشرطة في الاشتباكات التي وقعت أمام مقر الإخوان الرئيسي قبل أربعة أشهر.
وقال مصدر قضائي إن «محكمة القاهرة الجديدة قضت ببراءة النشطاء السياسيين أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح ونوار نجم و9 آخرين من الاتهامات بالتحريض على العنف والتعدي على جماعة الإخوان المسلمين والشرطة».
الى ذلك، نفت جماعة الإخوان المسلمين الأنباء التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام حول تقديم عرض من محمد بديع، المرشد العام للجماعة، بسحب كل المتظاهرين في الشارع مقابل إطلاق سراح مرسي، وإعادته إلى منصبه وإلغاء جميع الإجراءات الانقلابية على الشرعية.