إذا كان الحكم الإسلامي «حلماً» عند الشعوب العربية الإسلامية، وخصوصاً لجهة تطبيق تعاليم القرآن والشريعة، فقد أثبتت تجربة «الإخوان المسلمين» في حكم مصر عمق الهوّة بين «الحلم» والواقع، والتجربة والخيال. هل مات «الإسلامي السياسي» بعد سقوط محمد مرسي، أم أن العلّة كانت في شخص الرئيس المصري المعزول فقط؟ ما الدروس التي سيستخلصها «الإخوان المسلمون» من التجربة المصرية، وكيف يبدو مستقبلهم في المنطقة؟
«عندما نتكلم عن الإسلام السياسي نفكّر أيضاً في ما يعنيه ذلك من طريقة حياة جيدة بين الناس، وفي ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الحكم والشعب... حكم جيد وعادل ونزيه، هذا ما ينتظره الناس في حلمهم عن الحكم الإسلامي»، هذا ما شرحه مدير «المركز الوطني للبحث العلمي» الفرنسي فيليب ديريبارن في مقدمة مقاله عن شرعية التيار الإسلامي، لكن مصر عاشت «الحلم الإسلامي» مع وصول «الإخوان المسلمين» الى رأس الحكم، لكنها شهدت أيضاً التباين العميق بين الحلم والواقع. ديريبارن الذي يقول إن «العدل والحكم الجيد يمكن أن يطبّقا على يد ملك أو جيش أو حزب إسلامي، يشير الى أن المهم هو أن يكون الحاكم وفيّاً للنظرية التي يطرحها الإسلام». وهنا، فسّر ديريبان كيف فشل مرسي رغم اكتسابه شرعية انتخابية، ويقول إن «شرعية الحكّام لا ترتبط باحترام شكل العملية مثل الانتخاب وغيره، لكنها تأتي من الطريقة التي يلبّي بها الحاكم مطالب شعبه». معظم المحللين الغربيين جردوا في مقالاتهم مجموعة الأخطاء التي ارتكبها الرئيس المصري المعزول و«الإخوان» بعد وصولهم الى السلطة. حتى وصف البعض رئاسة مرسي بـ «أكبر خطأ في تاريخ الإخوان».
لكن معظم هؤلاء سألوا، هل يعدّ فشلهم في الحكم إعلان موت لـ «الإسلام السياسي»؟ افتتاحية «لو موند» الفرنسية تقول: نعم ولا. نعم، حسب الصحيفة، «لأن الإخوان خسروا معركة أساسية في بلد منشئهم مصر، رئة المنطقة السياسية». الافتتاحية الفرنسية تشير الى المشروع السياسي الذي كان «إخوان» مصر يحملونه لجماعاتهم في معظم بلدان المنطقة «بدءاً من حماس في غزة وصولاً الى سوريا». وهنا توضح «لو موند» أن «قطر مُنيت بخسارة كبيرة في أحد استثماراتها» في المنطقة. إذاً، حسب الافتتاحية، شعار «الإسلام هو الحلّ» فقدَ صدقيته للتوّ. لكن، «لو موند» تقول من جهة اخرى إنه لا يمكن نعي «الإسلام السياسي» على نحو كلّي لأن «الرئيس مرسي رُفض لشخصه»، ولأنه تصرّف كـ «حاكم ديكتاتوري». «في طموحه لإحلال حكم نزيه وغير فاسد ويحترم التقاليد الاجتماعية... الإسلام السياسي لم يمت» تخلص الافتتاحية وتردف «لكن تجربة الحكم تكون غالباً مميتة له».
«الشرعية السياسية تُكتسب ولا يُسلَّم بها» يقول شاموس كوك على موقع «كاونتر بانش»، منتقداً الطريقة التي تعامل بها «الإخوان المسلمون» مع السلطة والشعب عند تسلّمهم الحكم، لكن كوك يقول إن «الإخوان» أسدوا خدمة كبيرة للشرق الأوسط. لماذا؟ لأنهم كشفوا للجميع عن نهجهم السياسي والاقتصادي الموالي للسياسات الغربية والرأسمالية والساهر على مصالح البنوك من دون محاولة إيجاد حلول للأزمات المعيشية في مصر. كوك يستعرض وضع «الإخوان» في تركيا وفي سوريا ليقول إن «الإسلام السياسي ليس بخير خارج مصر أيضاً». الكاتب يسرد نشأة الأحزاب الإسلامية السياسية، وكيف دعمتها القوى الغربية لاستغلال نفط دول الخليج، ولمواجهة الجبهة الاشتراكية الحليفة للسوفيات في المنطقة. وهنا يخلص الى القول إن «الإخوان والأحزاب الإسلامية السياسية هي اختراع سياسي بعيد عن طبيعة مسلمي المنطقة، يخدم الأجندة الجيوسياسية للولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية».
كيف رأى المحللون إذاً مستقبل «الإسلام السياسي»؟ أجمع معظمهم على أنها «مرحلة اختبار حساسة له»، لذا رأى البعض أنه ليس أمام الأحزاب السياسية و«الإخوان» تحديداً سوى الدخول في مزيد من التسويات على حساب أحلامهم الأساسية».