الرباط | لم تكن قضية استقالة حزب الاستقلال المحافظ من الحكومة المغربية، الأسبوع الماضي، خطوة مفاجئة لمن تابع تفاصيل المشهد السياسي على الساحة المغربية خلال الشهور الأخيرة؛ فقرار «الاستقلال» المتحالف مع حزب العدالة والتنمية الاسلامي في حكومة يرأسها عبد الإله بنكيران، جاء بعد نحو أسبوعين من مذكرة قدمها الحزب إلى الملك محمد الثاني، يشرح فيها الأسباب التي يبني عليها قراره. وبينما كان رئيس حزب الاستقلال حميد شباط يطلب تحكيماً ملكياً بموجب الفصل 42 من الدستور، ظل القصر الملكي ينأى بنفسه عن التدخل في الأزمة الحالية. كان ردّه، حسبما نقلت صحف مقرّبة من الإسلاميين على المذكرة «التظلمية» للاستقلاليين، أن قرارات حزب الاستقلال تخصّه وحده فقط، وهو ما يعني أن الملك امتنع عن التدخل للفصل في الخلاف القائم بين بنكيران وشباط.
الإسلاميون احتفوا بهذا القرار على نحو مبالغ فيه كنصر وردّ اعتبار. وفي الجهة المقابلة أيضاً كان الاستقلاليون منتشين بتأويل أن قرارهم قد يحظى بتأييد ملكي أو على الأقل بعدم معارضة. وفي حقيقة الأمر، قليلون فقط كانوا يراهنون على أن «الاستقلال» سيذهب حتى خط النهاية في رغبته.
بالنسبة إلى رجل كحميد شباط، يعتبر نفسه قد خرج منتصراً لأنه نجح في نهاية المطاف في حشر الإسلاميين في زاوية ضيقة للغاية. استطاع بالتالي أن يجيب كل أولئك الذين كانوا يشككون في قدرته على ربح كل المعارك، وآخرها معركته مع بنكيران التي بدأت معالمها تظهر منذ اليوم الأول لوصوله إلى قيادة الحزب. فالقصر استقبل شباط ولم يستقبل بنكيران، وهو مؤشر له من الدلالات في النسق السياسي المغربي أشياء كثيرة؛ كان بنكيران رئيس الحكومة وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم في خضم هذه الأزمة الحكومية المستمرة على صفيح ساخن يصرّ على أن لا شيء جدياً يستحق منه الرد.
لا شك في أن خروج حزب الاستقلال وضع حزب العدالة أمام ورطة كبيرة. فهو الآن عملياً في مواجهة خيارات جميعها معقدة؛ الخيار الأول هو أن يستدعي أحد مكونات المعارضة البرلمانية للتفاوض معه للتعويض عن الحزب المنسحب. وهي عملية صعبة للغاية، لأن رصيد علاقات بنكيران مع هذه الأحزاب سيّئ جداً. فإذا كان حزبا «الأصالة والمعاصرة» و«الاتحاد الاشتراكي» مستبعدين نهائياً بسبب التنافر بينهما وبين الإخوان، فإن الإسلاميين يمكنهم أن يأملوا التقرب من حزب التجمع الوطني للأحرار، رغم سابق العداوة بين زعيمي الحزبين بنكيران وصلاح الدين مزوار. وهو الاحتمال الأكثر قرباً، إذ سبق لبنكيران أن هاجم مزوار غير مرة، كما أن قياديين في الحزب الإسلامي ذاته كانوا قد وجهوا له اتهامات بالفساد خلال مدة شغله لمنصب وزير المال.
ويتذكر الرأي العام المغربي عبارة بنكيران الشهيرة خلال الحملة الانتخابية الأخيرة حينما قال إن مزوار «شخص مهزوز لا يصلح لأن يكون رئيس حكومة».
ونقلت الصحف المغربية عن قياديين في حزب التجمع الوطني للأحرار أنهم يشترطون الحصول على حقائب وزارية وازنة، إضافة إلى منصب رئاسة البرلمان، للقبول بإنقاذ الإسلاميين من هذا المأزق، كذلك ينتظر أن يفرض الحزب المعروف بقربه من السلطة شروطاً أخرى، بحسب المراقبين، تتجسّد في فرض تغيير البرنامج الحكومي الذي تم التصويت عليه في البرلمان في أعقاب تنصيب الحكومة.
أما الخيار الثاني أمام إسلاميي المغرب فلن يكون سوى إعلان حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، وهي خطوة لا تضمن لحزب العدالة والتنمية الحصول على العدد نفسه من المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات التي أجريت قبل حوالى سنتين، رغم توقعات المراقبين بفوز الإسلاميين فيها في حال إقامتها. يبقى هناك سيناريو ضعيف جداً ومستبعد، وهو تشكيل حكومة أقلية، أي استمرار الحكومة بمكوّناتها الثلاثة.
وقال المتحدث الرسمي باسم حزب الاستقلال، عادل بنحمزة، لـ«الأخبار»، «بالنسبة إلى الطرف المنسحب، فإنه قد اتخذ القرار السليم بعد أن أمهل رئيس الحكومة وقتاً كافياً لإصلاح الأخطاء التي اعترت تدبير العمل الحكومي وللتراجع عن بعض القرارات التي اعتبرها الحزب ماسة بمصالح الشعب». وأضاف «لقد أمهلنا رئيس الحكومة أيضاً مدة معقولة ليبحث عن بديل لنا وليعمّق مشاوراته، وهذا يعكس أننا لا نريد أن نعرقل البلاد أو أن نضعها في مأزق كما يحاول البعض الترويج لذلك. نحن لا تهمّنا المواقع ومستعدون للمعارضة، لأن لدينا تصوراً للأشياء لا يفهمه رئيس الحكومة الذي يتصرف كرئيس حزب وليس كرئيس دولة».
وعن إمكان تنظيم انتخابات مبكرة قال بنحمزة إن ذلك سيعطي صورة سيّئة عن المغرب بالنسبة إلى الخارج، وسيكشف عن أزمة سياسية عميقة في البلاد تتجاوز صورة اختلاف حاصل بين مكونات الحكومة. غير أنه في الوقت نفسه أكد استعداد حزبه لخوض الانتخابات في أي وقت، وبدا واثقاً من أن نتائج انتخابات 25 تشرين الثاني الماضي، التي عرفت اكتساح الإسلاميين، لن تتكرر.
بين كل السيناريوات يبقى إسلاميّو المغرب حائرين، والمشهد المصري للسقوط المدوّي لحليفهم «الإخوان» لا يفارق أذهانهم.



فوّضت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب، السبت، قرار البتّ النهائي لطريقة التعامل مع انسحاب حزب الاستقلال، الى المجلس الوطني للحزب الذي يعقد اجتماعه الأسبوع المقبل. وقال عضو الأمانة العامة، عبد العالي حامي الدين، إن «المجلس الوطني سيجتمع الاسبوع المقبل ليصوّت على القرار المناسب، ونحن في الأمانة العامة سنقدم له سيناريوات للحل، من بينها بالخصوص فتح مشاورات مع مختلف الأحزاب لتكوين تحالف جديد».
(أ ف ب)