دمشق | نشرت خلال اليومين الماضيين، مجموعة من المواقع الإلكترونية السورية مثل «داماس بوست» و«دام برس» و«المجهر» وغيرها، خبراً عن تسريبات حول تغيير حكومي جديد جاء فيه حسب صياغة موقع «سوريا بلدي»: «تغييرٌ حكوميٌ جديد سيعلن عنه خلال الأيام القليلة القادمة، وترجح مصادر خاصة أن يترأس الحكومة الجديدة عماد خميس وزير الكهرباء الحالي، كما ترجح أن يتم تعيين فيصل المقداد وزيراً للخارجية». وأما بالنسبة لوليد المعلم، فيتابع الموقع: «من المحتمل أن يتم تعيينه نائباً للرئيس الأسد خلفاً لفاروق الشرع الذي من المحتمل أن يتم تعيينه مستشاراً سياسياً». في حين توقعت مصادر أخرى أن يتم تعيين وائل الحلقي أيضاً نائباً للرئيس الأسد. وقالت المصادر إنّه من المحتمل أن يتم تغيير الفريق الاقتصادي كاملاً، فيما يرجح احتفاظ وزراء الدفاع والداخلية والتربية والتعليم العالي بحقائبهم.وكما جرت العادة في سوريا، فإن جزءاً هاماً من التسريبات التي يتم تظهيرها في مواقع الكترونية بعينها، ليست إلا خبراً «بفلوس» سيغدو بعد أيام خبراً مجانياً. ويراد من هذه العملية كما بات واضحاً للمراقبين، تهيئة الأجواء لمرور التغييرات أو القرارات المقبلة بأقل التكاليف عبر حشد أكبر تأييد ممكن لها. وحول مسألة التغيير الحكومي تحديداً، فإن العادة جرت أيضاً على أن يلحق كل مؤتمر لحزب البعث بتعديل أو بتغيير وزاري، الأمر الذي يعزز من احتمال التغيير الذي تتحدث عنه التسريبات.
ويشير بعض المحللين السوريين إلى أنّ من الممكن أن تقرأ، ضمن السياق نفسه، الندوة الاقتصادية التي نظمها «التكتل الوطني الديموقراطي» ولقيت تغطية إعلامية رسمية وشبه رسمية استثنائية، يوم الأحد الماضي في فندق «دامل روز» في دمشق، لمناقشة السياسات الاقتصادية الحكومية. إذ صبّ المجتمعون، وهم مجموعة من الأحزاب المتشكلة والمرخصة حديثاً، جام غضبهم على الحكومة مطالبين بإقالة «الفريق الاقتصادي» وتحديداً النائب الاقتصادي قدري جميل.
وعن مدى صحة التسريبات، سألت «الأخبار» وزير المصالحة الوطنية، علي حيدر، عن علمه بإمكانية حدوث تغيير حكومي قريب فأجاب: «لا يوجد لدينا معلومات عن تغيير أو تعديل قريب، ولكن بغض النظر عن هذا فإن رؤيتنا في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير حول مسألة الحكومة، تقول بأنّ الحكومة الحالية أو اللاحقة يجب أن تكون حكومة حرب بكل ما يستلزمه ذلك من صلاحيات وبرامج على المستويات: الاقتصادي والسياسي والعسكري، وبشكل خاص على المستوى الاقتصادي، لأن انجازات الجيش العربي السوري إذ أفشلت الأعداء في تحقيق ما يريدون من البوابتين العسكرية والسياسية، فإنهم الآن يعملون على الالتفاف لتحقيق الأهداف نفسها ولكن عبر البوابة الاقتصادية، ومن هنا فإن أية حكومة سورية في هذا الظرف يجب أن تكون حكومة حرب ويجب لاقتصادها أن يكون اقتصاد حرب». وعن توقعاته حول بقاء وزيري «الجبهة الشعبية» (حيدر وقدري جميل) في الحكومة المقبلة، أجاب: «وجودنا في الحكومة أو عدمه، يحدده برنامج الحكومة. فنحن حين دخلنا الحكومة دخلنا على أساس توافق سياسي محدد وعلى أساس برنامج محدد، وأية تغييرات قادمة في مواقعنا ستخضع للنقاش على أساس الصلاحيات والبرنامج».
ما يتفق عليه معظم المتابعين، أن التغيير/ التعديل المتوقع، هو محاولة لامتصاص موجة الغضب الشعبي العارم من أداء الحكومة الاقتصادي. لكنّ ما ستوضحه الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، هو في أي اتجاه سيجري هذا التغيير. فقد بات من المعروف أن تيارين أساسيين يتصارعان داخل الحكومة الحالية، الأول هو التيار الانفتاحي الليبرالي الذي يستكمل عملياً ما قام به عبد الله الدردري بين عامي 2005 و2010، والذي يظهر أديب ميالة، حاكم مصرف سورية المركزي، واجهةً له، في مقابل تيارٍ ثانٍ يدعو للعودة إلى إجراءات الثمانينيات الاقتصادية التي تستند إلى دور اقتصادي مركزي وقوي للدولة، يؤمن ضمانات اجتماعية واسعة ويضرب بقسوة جميع عمليات المضاربة المالية، والذي يبرز الوزير قدري جميل ممثلاً له.
ولعل الاستناد إلى المستوى الحالي لقوة كل من هذين التيارين داخل النظام، المستوى الذي يمكن تلمسه من خلال قرارات الحكومة المتتالية رفع أسعار المحروقات، والتي تنتمي بطبيعتها إلى المدرسة الليبرالية، والتي يوكّل جميل حزبه «الإرادة الشعبية» ليعبّر عن رفضه لها من خلال البيانات وجريدة الحزب، في حين يلتزم هو بتنفيذها تحت ما يسميه «الانضباط الحكومي». لعل الاستناد إلى هذا المستوى الذي يبدو فيه تيار جميل «حلقةً أضعف»، يجعل من احتمال عدم استمراره في حكومة قادمة أمراً محتملاً. في المقابل فإن النظام السوري سيعاني حرجاً كبيراً أمام «الحلفاء» في حال إقدامه على خطوة من هذا النوع، ذلك أن إبعاد جميل عن الحكومة والذي سيرافقه غالباً إبعاد أو رفض علي حيدر الاشتراك بحكومة لا تضم حليفه، سيعطي انطباعاً بأن النظام السوري لا يريد حلاً سياسياً للأزمة ولا يريد مشاركة السلطة حتى مع «المعارضة الوطنية»، الأمر الذي قد يثير حفيظة الروس لما سينجم عنه من عرقلة إضافية للمفاوضات التي يجرونها مع واشنطن التي ستستفيد بدورها من تصرف من هذا النوع استفادة عظمى في تصليب مواقفها الرافضة في الجوهر للحلول السياسية.
من جهة أخرى، فإن استمرار الوضع الاقتصادي بالتدهور، بالتزامن مع استمرار السياسات النقدية والاقتصادية نفسها، سيؤدي إلى مزيد من الأزمات، الأمر الذي ستزداد صعوبته على النظام في حال عدم وجود شماعة «قدري جميل» التي تعلق عليها حالياً جميع المصائب الاقتصادية.
ورغم أنّ العديد من السوريين لا يعلقون آمالاً كبيرة على التعديلات أو التغييرات الحكومية المتوقعة، إلا أن ما يدعو للتفاؤل حسب رأي بعض المتابعين، هو أنّ القضية الاقتصادية ــ الاجتماعية أصبحت مدخلاً أساسياً لآراء وأمزجة السوريين السياسية. الأمر الذي سيلعب، حسب رأيهم، دوراً هاماً في إعادة ترتيب القوى السورية بعيداً عن الانقسامات الثانوية الطائفية والمذهبية، وحتى السياسية الحالية بين معارض وموال، ليأخذ اصطفاف القوى طابعاً أكثر اجتماعية، وبالتالي أكثر جذرية.