تونس | أربكت استقالة النائب أحمد الخصخوصي عن حركة الديموقراطيين الاشتراكيين من المجلس الوطني التأسيسي على الهواء مباشرة، أشغال المجلس أمس ليزداد الجدل والتجاذب السياسي حدة بين حركة النهضة والمعارضة. وبدأت الجلسة الأخيرة بالنقاش العام للدستور يوم أمس متوترة، إذ ان تهديد رئيس كتلة حركة النهضة في المجلس الصحبي عتيق بـ«استباحة المعارضين في الشوارع إذا فكروا في التمرد»، أثارت جدلاً واسعاً، علماً أن عتيق اوضح أمس أن كلمة استباحة لها معنى سياسي، ولم يقصد به استباحة دماء التونسيين أو دفعهم للتقاتل فيما بينهم. مع ذلك كان كلام القيادي «النهضوي» سبباً كافياً لتعميق حالة الاحتقان في المجلس التأسيسي بسبب الاختلافات حول الدستور، حيث يتهم جزء من المعارضة «النهضة» بصياغته وفق رؤيتها وليس وفق ما تحلم به الأجيال التونسية.
أزمة علاقة النهضة مع المعارضة، تعمّقت نهاية الاسبوع الماضي، إذ إن المسيرة التي دعت إليها «النهضة» السبت للدفاع عن «الشرعية» في مصر كانت نتائجها وخيمة على الحزب المهيمن على الحكم، وكانت تدخلات بعض قيادييها وخاصة لطفي زيتون، الوزير السابق في حكومة حامد الجبالي، ورئيس كتلتها في المجلس التأسيسي، بمثابة التهديد المباشر للشعب من مخاطر الالتحاق بحركة «تمرد»، أو التفكير في التظاهر من أجل حل المجلس الوطني التأسيسي.
وإن بدت هذه المسيرة في ظاهرها دفاعاً عن «شرعية» الرئيس المصري محمد مرسي وتنديداً بـ«الانقلاب»، إلا ان الحقيقة غير ذلك. فمن الواضح ان أقوى أحزاب الائتلاف الحاكم أراد ان يقوم بحركة استباقية لتحصين مواقعه في الشارع والتعبئة للدفاع عن «الشرعية» التي ترى بعض أحزاب المعارضة أنها انتهت منذ ٢٣ تشرين الأول الماضي باعتبار أن المرسوم الذي دعا إلى الانتخابات نص على أن عمل المجلس التأسيسي مدته عام ومهمته كتابة الدستور، وهو ما لم يتم إلى حد الآن بعد حوالي عامين.
ولعل الخطاب الحماسي لعتيق كان الموضوع الأساسي للجدل في الشارع التونسي نهاية الأسبوع، حيث أدانت معظم الأحزاب التونسية هذه التصريحات ودعت إلى ملاحقة قضائية ضده مثل التيار الشعبي (ناصريون) وحزب العمال (أقصى اليسار) ونداء تونس (وسط) والمسار الاجتماعي (وسط اليسار).
كما أدانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان هذه التصريحات ودعت النيابة العامة إلى فتح تحقيق عاجل في ما اعتبرته دعوة إلى الحرب الأهلية.
في الوقت نفسه، بادر بعض الناشطين مثل المحامية ليلى بن دبة إلى رفع قضايا ضد عتيق بتهمة التحريض على العنف والتهديد بالقتل. لكن الرجل رفض الاعتذار واكد في تصريحات إذاعية انه لم يتحدث باسم «النهضة»، بل باسم الشعب الذي انتخبه.
وقال انه لم يقصد كل «المتمردين»، بل بعض الأحزاب التي دعت إلى حل المجلس الوطني التأسيسي، والمقصود هما نداء تونس وائتلاف أحزاب اليسار «الجبهة الشعبية».
وفي الوقت الذي كان فيه الشارع التونسي ينتظر موقفاً هادئاً من حركة النهضة ينفي الدعوة إلى العنف، أصدرت الحركة على صفحتها الخاصة على الفايسبوك بيانا زاد من احتقان الشارع، إذ اعتبرت في بيانها أن «دعاة التمرد يهذون وحمقى».
ومما جاء في البيان: «وقد قال أعداء النهضة ودعاة التمرّد على الشرعيّة ابتداءً أعظم ممّا قال هو جواباً، فهل نسيتم تهديدات الصغير أولاد حمد وعدنان الحاجي ومحمّد البراهمي والطاهر بن حسين؟ وهي تهديدات صريحة ضدّ النهضة بالقتل والتصفية الجسديّة والقتال. أمّا كلام الأستاذ الصحبي فمشروط ودفاعيّ وحمّال أوجه وسياقه يردّ على التوظيف السياسيّ الرخيص له، فلم هذا الكيل بمكيالين؟».
وأضاف بيان النهضة أن «ما يجب أن يعلمه كلّ مغامر يهذي بالتمرّد على الشرعيّة ويستهين بإرادة الشعب ويدفع نحو المجهول والخراب، أنّ النهضة وأنصارها وأنصار الشرعيّة وسائر الأحرار قد صبروا طويلاً على الأذى والاستهداف المتكرّر وأقاموا الحجّة على خصومهم، ولن يسمحوا بانهيار المسار السياسيّ القائم كلّفهم ذلك ما كلّفهم، خريطة الطريق واضحة: إذا حكّمتم العقل فالانتخابات قادمة والصندوق بيننا... وإذا سوّلت لكم أنفسكم أيّها المغامرون الحمقى أمرا فلن نترككم تخرّبون البلاد ولن نفرّط في الحقّ مهما كان الثمن».
وفي الوقت الذي تسعى فيه حركة النهضة إلى «إرهاب» معارضيها باسم شرعية منتهية كما تقول أحزاب المعارضة، قال المتحدث الرسمي باسم حركة تمرد محمد بنور، إنه يتلقى تهديدات بالقتل، كما منع محافظ سوسة (الساحل) أول من أمس الحركة من النشاط في سوسة، بينما حذّر وزير حقوق الإنسان سمير ديلو شباب الحركة من التورط في أنشطة مخالفة للقانون.
ردود الفعل التي تواجه بها «النهضة» خصومها تؤكد حالة الارتباك التي تعيشها بسبب اشتداد ضغط المعارضة وخاصة بعد ظهور حركة تمرد التي وصلت إلى مليون إمضاء في ظرف زمني قصير وسقوط نظام الإخوان في القاهرة.
في سياق متصل، نفى مكتب زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، مشاركته في اي اجتماع خارج البلاد، وذلك رداً على ما كشفته قناة «سكاي نيوز» عن مشاركته في اجتماع التنظيم العالمي للاخوان المسلمين في اسطنبول، لبحث تطورات الوضع في مصر. وكانت قناة «الميادين» قد أكدت أن الغنوشي تم اختياره لرئاسة المكتب السياسي للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين ليكون الرجل الثاني في التنظيم بعد الأمين العام إبراهيم منير مصطفى.
كلما ازداد امتداد حركة تمرد ازداد ارتباك الترويكا الحاكمة، فهل تنجح هذه الحركة الشبابية في إسقاط المجلس التأسيسي وكل السلط المنبثقة عنه خاصة بعد إعلانها الالتحاق بمؤتمر الإنقاذ الوطني مطلع شهر أيلول الذي يضم أغلب الأحزاب والمنظمات والنقابات؟