غزة | ما أن يبدأ الفلسطيني بكتابة سطور قصة استيعابه لقانون إسرائيلي عنصري، حتى يباغته قانون آخر أكثر تطرفاً مما سبقه. اليوم، يرى الأسير نفسه مكبّلاً بقيود قانون «التغذية القسرية». هذا القانون، الذي ينظر الكنيست في أمر تمريره، سبق أن خطف حياة ثلاثة أسرى في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؛ راسم حلاوة وعلي الجعفري وعبد القادر أبو الفحم، ثلاثة شموس أنارت عتمة السجن بأجسادهم النحيلة وصومهم عن الطعام. تعود إلى أذهان الأسرى المضربين عن الطعام حالياً قصص وحكايات الثلاثة، ليزدادوا إصراراً على عدم وقف إضرابهم لأيّ سببٍ كان، فإما الشهادة أو النصر.
وبعد تمرير قانون برافر بفارق ثلاثة أصوات في الكنيست الإسرائيلي، تتوجه الأبصار اليوم نحو قانون «التغذية القسرية»، الذي اقترحته وزارة العدل الإسرائيلية، بتوصيةٍ من وزارة الأمن الداخلي، وبالاشتراك مع جهاز «الشاباك» ومصلحة السجون، وجهات في مجلس الأمن القومي والادعاء العسكري، خشيةً من تمريره هو الآخر، ومنح الاحتلال غطاءً قانونياً لكل ما يصيب الأسير من أذى، خصوصاًً أنّه ليس الأول من نوعه، حيث سبقت أن عملت الولايات المتحدة بموجبه في معتقل غوانتنامو، بهدف إبراز الوجه الإنساني لها لكن زوراً.
ويسعى المستشار القانوني لحكومة الاحتلال جاهداً لإظهار مدى الحاجة لقانون «التغذية القسرية»، بربطه بموجة الإضرابات عن الطعام التي ضريت سجون الاحتلال الإسرائيلية خلال العامين الأخيرين، خصوصاً بعد نجاح معركة الأمعاء الخاوية، التي خاضها مثلاً كلٌّ من سامر العيساوي وأيمن الشراونة، وخضر عدنان وهناء شلبي ومحمود السرسك وغيرهم، في فرض مطالب الأسرى.
وفور صدور خبر بلورة الاحتلال لقانون «التغذية القسرية»، تنافست مؤسسات الأسرى والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية في دقّ ناقوس الخطر المحدق بحياة الأسرى المضربين عن الطعام، وقالت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان: «يشكل هذا القرار تحدياً سافراً للأعراف والمواثيق الدولية التي حرمت التغذية القسرية وأكدت على ضرورة احترام سلطات السجون لحرية وكرامة المعتقلين». وشددت على معارضة اللجنة الدولية للصليب الأحمر أسلوب الإطعام القسري،
ويتفق هذا الموقف مع موقف الجمعية الطبية العالمية في إعلاني مالطا وطوكيو عام 2006، اللذين نصا على «لا ينبغي اللجوء إلى التغذية الصناعية في حال قيام سجين برفض الطعام، في الوقت الذي يرى فيه الطبيب أنه قادر على اتخاذ حكم عقلاني سليم، فيما يخص العواقب المترتبة على رفضه للطعام طوعاً، على أن يشرح الطبيب للسجين النتائج المترتبة على امتناعه عن الطعام».
وفي حديثه مع «الأخبار»، عدّ مدير مركز أسرى فلسطين فؤاد الخفش، فرض قانون التغذية القسرية «الزوندا» على الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية وصفةً جاهزة للقتل، نظراً لتهديده حياة جميع الأسرى في حال إخراجه من حيز المناقشة إلى حيز التنفيذ. وأكد أن دافع الاحتلال وراء إقرار هذا القانون يرجع لعجزه عن الوصول إلى حلول ترضيه مع الأسرى المضربين عن الطعام، خاصةً بعد فشله في سياسة الضغط والترهيب التي ينتهجها بشكل يومي بحقهم. وقال الخفش: «إجبار الأسير على تناول الطعام لا يمثل سوى خرق واضح لمهنة الطب، واستخدام غير أخلاقي لها من قبل الكادر الطبي الذي سينفذ القانون حال المصادقة عليه فوراً». ورجع الخفش بشريط ذكرياته إلى الوراء قليلاً، مستحضراً توصيات سابقة صادرة عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وتحديداً من العضو فيها روبرت كوفيل، بضرورة تراجع الإدارة الأميركية عن تبني قانون «التغذية القسرية» وتطبيقه على معتقلي غوانتنامو، كونه عملاً وحشياً وسلوكاً همجياً يمنعه القانون الدولي.