المشهد الأول: اجتماعات للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين لبحث تداعيات «الضربة التي تلقتها الجماعة» في مصر، وسبل المواجهة وخطط التحرك في الفترة المقبلة. المكان: فندق «هوليداي إن» القريب من مطار أتاتورك. الزمان: السبت والأحد الماضيان، على هامش لقاء دعا إليه حزب السعادة الإسلامي، وريث حزب الرفاه الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان. المشاركون: الأمين العام للتنظيم إبراهيم منير، وممثلون عن جميع فروع الجماعة في الدول العربية والأوروبية، بالإضافة إلى مصر وقطاع غزة، بينهم راشد الغنوشي عن تونس ورياض الشقفة عن سوريا وهمام سعيد عن الأردن وموفدون من حماس، الأكثر تضرراً مما حصل في مصر، وتضارب بشأن حضور محمد بديع. محاور النقاش: ورقة وضعتها ذراع التخطيط في التنظيم الدولي، الذي يحمل اسم «المركز الدولي للدراسات والتدريب»، وسُرِّبت في العاشر من الشهر الجاري.
تبدأ الورقة بتقدير وضع يشرح أسباب فشل حكم الإخوان في مصر بعد عام، مع إشارة إلى موقف القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي لا يمكن الإخوان الاعتماد على دعمها، خلافاً لتركيا وقطر اللتين يجب طلب مساعدتهما والاستعانة ببعض الدعاة من دول الخليج ممن لهم أتباع كثر بين الشباب. وتحدد الورقة عدداً من الشخصيات في مصر وتوصي بإبراز دورها.
وتحمّل الورقة فشل حكم الإخوان لتفكّك التيارات الإسلامية واتساع الفجوة بين الجماعة والأحزاب السلفية، منتقدة أحزاب النور والوسط والبناء والتنمية (الجماعة الإسلامية)، فضلاً ـ طبعاً ـ عن إسهام «الهجوم الإعلامي المتواصل على الجماعة والأزمات الاجتماعية المفتعلة، وعدم القيام بمشروعات ذات مردود سريع على حياة المواطنين في تفاقم الوضع، إضافة إلى استغلال الجيش لمطالب المعارضة للعودة إلى السلطة».
وأوردت الوثيقة عدداً من المخاطر المحتملة على مستقبل الجماعة داخل مصر وخارجها، منها «تزايد مشاعر الاضطهاد لدى قادة الجماعة والاضطرار إلى العودة إلى ظاهرة العمل السري، وصعوبة السيطرة على ردود التيار المؤيد والمتمسك بشرعية» محمد مرسي بخاصة بين شباب الإخوان. كذلك، مخاوف من حدوث انشقاقات داخل الجماعة بخروج بعض شباب الإخوان على القيادة بحجة أنها سببت صداماً مع الجيش والقوى السياسية الأخرى.
أما في ما يتعلق بالمخاوف على مستقبل الجماعة خارج مصر، فقد اعتبرت الوثيقة أن ما حدث سيعزز موقف التيار المتشدد المعارض للإخوان المسلمين في الدول الأخرى، وسينعكس سلباً على فروع الجماعة في كل دول العالم.
وبحسب الوثيقة، إن ما حدث وجّه ضربة قوية للتحالف بين حماس والإخوان المسلمين، إضافة إلى ذلك «تراجع الدعم للثورة السورية وإطالة عمر حكومة بشار الأسد». ووضعت الوثيقة عدداً من السيناريوات والمقترحات للتعامل مع الموقف، بينها «الراية البيضاء أي التسليم بالأمر الواقع بلا قيد أو شرط وقبول خريطة الطريق التي أعلنها الجيش»، وسيناريو تفعيل المادة 150 من الدستور وطلب الاستفتاء على بقاء مرسي، وسيناريو «الصمود والدفاع عن الشرعية بالنفس الطويل ورفض المساس بشرعية الرئيس المنتخب مهما بلغت الضغوط والعمل على إحداث صدع في الجيش»، وهو الذي ترجحه. وهناك سيناريو آخر يقضي «باللجوء إلى عسكرة الصراع»، وهو ما وصفته الوثيقة بالخيار الكارثي، حيث إنه سيقود إلى تدمير البلاد على غرار ما يحدث في سوريا.
وقدمت الوثيقة عدداً من الاقتراحات لإنجاح سيناريو المقاومة بالنفس الطويل عبر «تكثيف الحملات الإعلامية وتوعية الشعب على حقيقة ما حدث، والملاحقة القانونية لرموز الجيش». ونصت على وضع استراتيجية لإحداث انقسامات داخل المؤسسة العسكرية، إضافة إلى «التركيز على مواقف الأحزاب والشخصيات الوطنية التي ترى في ما حدث انقلاباً عسكرياً». وكذلك «إبراز مواقف المؤسسات الدولية التي عدّت ما حدث انقلاباً عسكرياً، والتركيز على مطالبة بعض أعضاء الكونغرس الأميركي بوقف المساعدات للجيش المصري»، إضافة إلى «نشر ملفات الفساد المتاحة عن كل من شارك في الانقلاب، والعصيان المدني واستمرار الاعتصامات ومحاصرة مؤسسات الدولة السيادية»، مع العمل على «إبراز أي انقسام بين قيادات الجيش حول الانقلاب... والوصول إلى ولاءات داخل المؤسسة العسكرية عبر مضامين إعلامية تطمينية».
وتفيد المعلومات الواردة من إسطنبول بأنّ قادة الجماعة أكدوا تمسكهم بمخرج مشرّف لمحمد مرسي يحفظ شرعيته مهما كان الثمن، مشيرةً إلى أنّ الاتجاه نحو بحث العروض التي يتقدم بها دعاة المصالحة. وتضيف أن مشاركة الإخوان من عدمها في لجنة المصالحة التي افترض أن يرأسها الإمام الأكبر للأزهر أحمد الطيب، وفي عضويتها محمد سليم العوا وعبد المنعم أبو الفتوح، ستكون مؤشراً على ما ينوي الإخوان القيام به.
المشهد الثاني: مفاوضات إيرانية تركية تثمر تفاهمات أولية. المكان: مقر وزارة الخارجية في أنقرة. الزمان: الجمعة 12 تموز الجاري. الحضور: الوزيران أحمد داوود أوغلو وعلي أكبر صالحي. محاور النقاش: الموقف التركي مما يجري في مصر وسوريا والعراق.
المعلومات الواردة من أنقرة تفيد بأن المحادثات أثمرت قناة تواصل جديدة بين القيادتين الإيرانية والتركية: مجاهد أرسلان، المستشار الخاص القريب جداً من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. كذلك أثمرت اتفاقاً على أن يزور أرسلان طهران بعد تنصيب الرئيس حسن روحاني، في خطوة يفترض أن تُنضج زيارة أرسلان لدمشق للقاء الرئيس بشار الأسد. وعن تفاهم: أن يعمل الأتراك على إقناع الإخوان المسلمين بخفض سقف مطالبهم والانخراط بالعملية السياسية في مصر كي لا يخسروا كل شيء دفعة واحدة في مقابل أن ينقل الإيرانيون هذا التفاهم إلى حكام القاهرة، وخاصة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي والرئيس الموقت عدلي منصور.
مصادر قريبة من صالحي ترى أنه لمس، خلال زيارته تلك، جديّة لدى المسؤولين الأتراك في مراجعة سياستهم من سوريا ومصر والعراق، وخاصة بعدما أخرجوا من المعادلة مع قطر لمصلحة تعويم السعودية، التي يبدو أن الأجواء تُعَدّ من أجل تفاهم من نوع ما بينها وبين إيران.
وكان صالحي قد أجرى اتصالاً بنائب الرئيس المصري لشؤون العلاقات الدولية محمد البرادعي، في أعقاب اتصال مشابه مع وزير الخارجية الحالي محمد كامل عمرو، أكد خلالهما «دعم طهران للجيش المصري لما تعرفه عنه من ثوابت وطنية ومن أنّ العدو الوحيد في عقيدته العسكرية ليس سوى إسرائيل، فضلاً عن أن ما جرى ليس سوى تعبير عن إرادة شعبية لم يفعل العسكر سوى حمايتها». وأوضح صالحي أن «إيران مهتمة بالثورة المصرية الكبرى بما هي تعبير عن صحوة إسلامية لا تختصر في حزب أجناح أو فصيل، وأن دعمها للحكام السابقين كان دعماً لشرعية الثورة التي أفرزت محمد مرسي، وهي بالتالي مستعدة لدعم كل ما تفرزه الشرعية الثورية. إن إيران مع الجماعة الوطنية المصرية وليست - ولا يمكن أن تكون - مع فريق ضد آخر». وقد أبلغ صالحي، الذي شدّد على أن «الشرعية الثورية والدستورية يحددهما الشعب المصري، لا الخارج»، البرادعي وعمرو موسى استعداده لزيارة القاهرة لإبلاغ هذا الموقف بشكل شفاف إلى المعنيين، وفي مقدمهم الرئيس عدلي منصور.



طهران متفائلة بمنصور

يثمّن المعنيون في طهران كثيراً رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس المصري الموقت عدلي منصور إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني. يرون أنه ما كان مضطراً لإرسالها، لأنه لم يكن رئيساً عندما انتُخب روحاني لهذا المنصب، وخاصة أن الرئيس المعزول محمد مرسي لم يقم بمبادرة من نوع كهذا. يقولون «إنها مبادرة حسن نية، نحن مستعدون لأن نلاقيها في مكان مع استعداد لمكاشفة ومفاتحة تؤدي إلى تفاهمات جديدة، وخاصة أن من الواضح أن مصر اليوم سيكون لها موقف مختلف عن ذاك الذي اتخذه مرسي في آخر أيامه».
وفي هذا الإطار، ترى طهران أن ما حصل في مصر يعيد خلط الأوراق الإقليمية في المنطقة، في ظل العجز الأميركي عن تغيير الأوضاع الميدانية في سوريا، حيث «وضع اجتماع جنيف في الثلاجة، ويبدو أنه سيُستعاض عنه بسلسلة اجتماعات على هامش اللقاء السنوي للأمم المتحدة في نيويورك».