غزّة | يمرّ قانون «برافر» أو لا يمرّ، يُصاب أهل النقب بداء النكبة للمرة الألف، أو تشفيهم «مسيرات الغضب» من مرض الهجرة القسرية الذي ألمَّ بهم؟ تُولد شرارة انتفاضة فلسطينية ثالثة، أو تموت الاحتجاجات على ذاك القانون التهجيري في يوم انطلاقتها ذاته؟ كلها احتمالات واردة وسيناريوات مفتوحة لا ينجح أحدٌ في التكهن بها. صحيحٌ أن بئر السبع أعلنت حربها على ما يسمى «سلطة توطين البدو»، وبُحّت حناجرها وهي تهتف بشعاري: «الشعب يريد إسقاط المخطط» و«تسقط حكومة الإجرام الفاشية»، غير أن تصاعد حدّة الاحتجاجات أو انخمادها في الأيام المقبلة هو الذي سيحدد معالم مضيّ حكومة الاحتلال في إقرار «برافر» إقراراً نهائياً أو تمزيقه، كما مزّقه بعض النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، وقالوا بملء فيهم «بلّوه واشربوا ميته»، وذلك في 24 من الشهر الماضي أثناء إقراره بالقراءة الأولى.فلسطين كانت على موعد مع «برافر لا يمر»، فساد الإضراب العام الداخل الفلسطيني المحتل، وانتفضت بئر السبع في وجه القانون منذ ساعات الصباح الباكر، حتى تمكن أهلها من إغلاق الشارع الرئيسي أمام مكتب ما يسمى «سلطة توطين البدو»، ما أثار استفزاز شرطة الاحتلال التي سارعت إلى تقييد أغلب المشاركين في التظاهرة، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح. غير أنّها لم تحرز انتصاراً في فضّ تظاهرتهم بالقوة، ما حدا بالمتظاهرين إلى افتراش الأرض والاعتصام بالقرب من أرصفة الطرق الرئيسية في البلدة. وأكد المصور الصحافي القاطن في النقب أيوب أبو مديغم لـ«الأخبار» اعتقال قاصرين وفتاة، مبيناً أن لجنة المحامين العرب تبذل أقصى جهودها للإفراج عن جميع المحتجزين.
وفي أراضي الـ48، خرجت الجماهير الفلسطينية ملتحمةً مع أهالي النقب، وعلى قلب رجل واحد لإيقاف «برافر» مهما كان الثمن، بعدما أعلنت لجنة المتابعة العربية شللاً كاملاً لـ24 ساعة في جميع مرافق الحياة، بما فيها المؤسسات العامة، والسلطات المحلية، والبنوك والعيادات الطبية وكافة المؤسسات الخدماتية. وتقول مها أغبارية، إحدى الشابات المشاركات في التظاهرة المركزية في أم الفحم لـ«الأخبار»: «ببساطة نزلت إلى الشارع لأن القانون يمسّ حياتنا، وعلينا أن نتقن لغة التصدي للاحتلال، مع ضرورة التركيز على حاجتنا الماسة إلى فعل ثوري تراكمي لا تضامن لحظي وآني مع أهالي النقب».
من جهته، أوضح الشاب كايد أبو الطيف أنّ درب تحدي قانون «برافر» لا يمكن أن يعْبره أهل النقب وحدهم، بل من المفترض أن يسلكه كل فلسطيني غيور على وطنه وأرضه، معرباً عن إيمانه بالكادر الشبابي الذي حضر في جميع الاعتصامات في كافة بقاع فلسطين.
أما في غزة، فكان للحكاية فصلٌ آخر، حيث حاصر أفراد من الأمن الداخلي الشباب الموجودين في ميدان الجندي المجهول وسط غزة، ولاحقوهم من بقعة إلى أخرى، بحجة عدم ترخيص التظاهرة المناهضة لقانون برافر، أو إبلاغ الجهات المعنية عن موعدها وأهدافها. غير أن إبراهيم الطلاع، أحد الشباب الداعين إلى التظاهر، أكد لـ«الأخبار» تقديمه إشعاراً للشرطة وفقاً للقانون، موضحاً أن الداخلية هاتفته أكثر من مرة من أجل إلغاء التظاهرة. ورغم كل ذلك، تمكّن العنصر النسائي من تصدّر المشهد وإدارة التظاهرة لمدةٍ بسيطة لا تتجاوز نصف ساعة، وسط هتافات عالية من قبيل «شعبي يقرر شعبي حر عمر برافر ما حيمر» و«من النقب طلع القرار.. بدنا نولع الأرض نار» و«من غزة تحية للنقب الأبية». وذكرت بعض الأنباء أن الأمن الداخلي اعتقل ثلاثةً من الشبان المشاركين، لكن لم يتسنَّ لـ«الأخبار» التأكد من صحتها، في وقت تنفي فيه الداخلية ذلك.
ووجه عدد من نشطاء الإعلام الاجتماعي عدّة تساؤلات إلى داخلية غزة حول مبرر خشيتها من هذه التظاهرات غير المنحازة بتاتاً إلى طرف دون آخر، مستغربين تعيينها أفراداً يجهلون أبجديات القانون وبديهياته، خاصةً أن لا وجود لبند يدعو إلى الترخيص، متسائلين «هل حينما خاضت غزّة حربي الرصاص المصبوب وعمود السحاب، وأطلقت الصواريخ تجاه أراضينا المحتلة، أخذت الحكومة ترخيصاً من سكان قطاع غزة؟». وأضافوا «الغريب أن الحكومة في غزّة التي أصدرت اليوم موقفاً من برافر، حيث عدّته مشروعاً استفزازياً تهجيرياً، هي ذاتها التي حاولت أن تفضّ التظاهرة بالقوة عبر التهديد والوعيد»، مبدين استياءهم من اضطرارهم إلى تحويل مسار الحديث عن برافر إلى الخوص في أمر ساذج متعلق بـ«يا عمي مرخص ولا مش مرخص».
وعلى الصعيد الرسمي في رام الله وغزة، لم تكن مواقف السلطتين الحاكمتين متناغمة مع طبيعة الخطر المحدق بأهل النقب؛ فالحكومة في غزة اكتفت ببيان صحافي يدعو الى «تصعيد كل أشكال المواجهة مع مخططات الاحتلال الاستيطانية والعنصرية»، فضلاً عن مطالبتها بزيادة رقعة الاحتجاجات والاعتصامات في الوطن والشتات.
وفي رام الله، لم تختلف الحال كثيراً عن غزة، فالأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تصدت لتظاهرة كانت متجهة إلى مستوطنة «بيت إيل»، فضلاً عن أن منظمة التحرير الفلسطينية أعلنت براءتها من بيانٍ قيل إنه منسوب إليها، فأنكرت دعوة الشعب الفلسطيني إلى الإضراب العام، مقتصرةً على الإدانة والاستنكار، فيما لم ينظّم أي فصيل فعاليات متزامنة مع فعاليات النقب والداخل باستثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.