تونس | لن ينسى التونسيون أن حكم الترويكا فتح الباب للميليشيات التي قد يدفع الصراع بينها البلاد إلى حرب أهلية طاحنة. لقد حدث ما حذّرت منه أحزاب المعارضة منذ ما بعد انتخابات تشرين الأول ٢٠١١ عندما ظهرت «رابطات حماية الثورة» التي تحولت إلى جناح لحماية حركة النهضة وحليفها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحركة وفاء المنشقة عنه. إذ رداً على هذه الميليشيات الخارجة على القانون، أسس عدد من الشبان في مدينة صفاقس (العاصمة الاقتصادية للبلاد) ميليشيا أخرى أطلقوا عليها «رابطات حماية الوطن والمواطن»، وهو ما سيدفع البلاد الى مزيد من العنف. مؤسس رابطات حماية الوطن والمواطن مروان المستيري، وشهرته «البرنس»، هو من عشاق السينما والموسيقى الشعبية، وله فيها باع.
في البيان الذي أصدره باسم التنظيم الجديد ووقّعه بصفته الجديدة «الزعيم»، قال إن هذه الرابطات ستتصدى للعنف الذي تمارسه «حماية الثورة» وستحمي المواطنين وستحمي النموذج المدني الذي أسسه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. وأكد استقلاليته عن كل الأحزاب، مطالباً وزارة الداخلية بالسماح له بالنشاط القانوني، بينما شدد على أنه وكل أصدقائه وأنصاره مستعدون للدخول الى السجن من أجل الدفاع عن البلاد وعن المواطنين. هذا الجهاز التنظيمي الجديد استقبل بترحاب كبير على صفحات الفايس بوك، وسجلت صفحة التنظيم في وقت سريع عدداً قياسياً من المحبين وكانت بداية «النشاط» من صفاقس، إذ تم «تطهيرها من ميليشيا حماية الثورة».
ما حدث اعتبره عدد من المتابعين للشأن التونسي مسألة طبيعية، فالعنف لا ينتج إلا العنف وستحصد الترويكا، وخصوصاً حزبا النهضة والمؤتمر ما زرعاه بدعم رابطات حماية الثورة، التي احترفت العنف ضد الخصوم السياسيين بل القتل، إذ تورطت في تعنيف ممثل حركة نداء تونس في مدينة تطاوين (جنوب) وسحله إلى حد موته.
كما برعت في الاعتداء على اجتماعات الأحزاب السياسية، وخصوصاً حزب نداء تونس، في وقت اعتدت فيه على صحافيين في مدن عديدة وأصبحت متنفذة في القرار في الجهات الداخلية للبلاد. حتى إن المحافظين يحسبون لها ألف حساب في أي تعيينات أو اختيار للمشرفين على التظاهرات الثقافية.
ورغم تنديد المجتمع المدني والأحزاب بالإجرام المُنظّم الذي ترتكبه «حماية الثورة» مثل الاعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل يوم ٤ كانون الأول الماضي وغير ذلك من الجرائم، فإن الحكومة لم تتعامل مع المسألة بجدية، وواصلت غض النظر. أما حزبا النهضة والمؤتمر فواصلا الدفاع عن هذه الرابطات بل تم إدماج عدد كبير من منتسبيها في الوظيفة الرسمية لضمان الولاء.
ورغم تأكيد «البرنس» استقلاليته عن كل الأحزاب وولائه لتونس فقط، فإن أنصار «النهضة» و«المؤتمر» يتهمونه بالولاء والقرب من بعض الأحزاب مثل حركة نداء تونس.
لكنه «الزعيم» ينفي هذه التهم مع إبداء استعداده واستعداد أصدقائه لممارسة العنف ضد «ميليشيات النهضة والمؤتمر»، حسبما يصفها، معتبراً ذلك حقاً شرعياً في الدفاع عن المواطنين العُزّل، وهو ما يعني عملياً أن الترويكا الحاكمة بصمتها على تجاوزات «حماية الثورة» أسست بشكل ضمني لثقافة الميليشيات التي لم تعرفها تونس طيلة تاريخها. إذ من بين خصوصيات الدولة جهاز الإدارة العريق الذي مكّن تونس من تجاوز أزمة الفراغ السياسي بهروب زين العابدين بن علي من دون أضرار.
ورغم أن عدداً كبيراً من المواطنين استبشروا بظهور هذه الرابطات التي ستحميهم من عنف «حماية الثورة»، إلا أن الظاهرة نفسها تدعو إلى الخوف على مستقبل تونس فلا شيء يمنع من ظهور رابطات أخرى كميليشيات موازية لأجهزة الدولة.