المنامة | قبل أقل من شهر على 14 آب، موعد «التمرد» الذي اختاره جزء من أفرقاء المعارضة البحرينية لاستنساخ التجربة المصرية عبر الدعوة إلى عصيان مدني مفتوح أمام محيط السفارة الاميركية، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية مساء الأربعاء الماضي وقوع انفجار سيارة مفخخة بواسطة اسطوانة غاز موصولة بسلك كهربائي أمام موقف سيارات مسجد الشيخ عيسى بن سلمان، في محيط الديوان الملكي والقصور المجاورة له في الرفاع الغربي، في تطور خطير للوضع الأمني في البحرين. حادث رأى المراقبون أن من شأنه أن يعين النظام البحريني على استعادة أنفاسه وتحكيم قبضته الأمنية قبل ما يربو على شهر من موعد حملة «تمرد»، التي تسعى بعض قوى المعارضة غير المنضوية في المنظمات السياسية المشهرة علنياً، من خلالها، الى استعادة الزخم الجماهيري للاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام من خلال تأسيس ميدان جديد لعصيان مدني مفتوح، لكن هذه المرة أمام السفارة الاميركية. ويأتي هذا الحادث بعد سلسلة من المواجهات التصعيدية، التي شهدها عدد من القرى البحرينية بين قوات الامن والمتظاهرين. وفور وقوع الحادث، وجه ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الجهات المختصة إلى اتخاذ كل ما يلزم لحفظ أمن الوطن واستقراره ووحدته الوطنية «ووضع التدابير اللازمة لتطبيق القانون على كل من يحرض أو يقوم أو يشارك في هذه الأعمال الإرهابية الدخيلة على مجتمعنا البحريني الآمن، معرضين أرواح المواطنين والمقيمين وسلامتهم وممتلكاتهم للخطر دون أن يراعوا أي قيم دينية أو إنسانية أو أخلاقية».
غير أن قوى «المعارضة الوطنية الديموقراطية»، التي تمثل الجناح العلني لقوى المعارضة في البحرين، سبقت التصعيد الرسمي، وسارعت إلى قراءة مجرى الأحداث وأصدرت بياناً سريعاً قالت فيه «إن القوى الوطنية الديموقراطية المعارضة تدين هذا التفجير ومن يقف وراءه ومن دبره ومن نفذه»، مؤكدة رفض «ترويع الآمنين في مختلف البحرين، بما فيها المساجد». ولفت الى أن الانزلاق في دوامة العنف والعنف المضاد «من شأنه أن يغرق بلادنا في مستنقع التوترات الأمنية المرفوضة»، مؤكدة «أن المخرج من الازمة السياسية الدستورية التي تعصف بالبلاد يكون عبر الحل السياسي».
وفيما لم ينتظر رجل الدين الشيعي البحريني الشيخ عيسى قاسم هذه المرة خطبة الجمعة ليعلن موقفه من حادث التفجير، سارع عبر المجلس العلمائي في ذات الليلة إلى إصدار بيان مدين لما جرى.
وبعد أن استعادت المعارضة البحرينية أنفاسها وامتصت الضربة الأولى، سارعت لتحليل ما جرى، إذ شكك عدد من زعمائها، بينهم الأمين العام لجمعية «الوفاق»، الشيخ علي سلمان، والأمين العام للمنبر التقدمي عبد النبي سلمان، عبر مجموعة من التصريحات، برواية السلطة حول التفجير، مبينين أن «السلطة اعتادت القفز على المطالب السياسية المحقة بافتعال هزات أمنية لضرب السلم الأهلي وتجاوز دعوات الاصلاح». وعن سيناريو التفجير، يقول مراقبون لـ«الأخبار» إن «الحبكة الدرامية تبدو جلية في تفجير الرفاع، فكيف يمكن أن يحدث تفجير مماثل في شارع تحيط به الكاميرات الأمنية من كل جانب، ويحتوي على عدة نقاط تدقيق أمني في مساحة طويلة لا تتجاوز نصف كيلومتر، وتقع تحت مجموعة من الاشجار التي لا يبدو عليها تماماً وفقاً للصور الرسمية أي نوع من الضرر».
هذا التشكيك قابله تشكيك مماثل من إحدى النخب الثقافية الشبابية القاطنة في منطقة الرفاع؛ إذ رأت في حديث لـ«الأخبار» أن «الشارع السني ضاق ذرعاً بسيناريوات السلطة المفبركة والساعية إلى تخويف السنة بالشيعة». وتابعت: «بدأت مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت صداً منيعاً للنظام البحريني خلال أحداث 14 فبراير 2011 تضيق ذرعاً بالسلطة، التي لم تقدم شيئاً يذكر للطائفة السنية مقابل وقفتها مع النظام؛ فلا تزال البطالة مستشرية وأزمة الإسكان قائمة وغلاء الأسعار يقصم ظهور كل مكونات الشعب البحريني، ما أسهم في اعادة التوازن الى شريحة كبيرة من الطائفة السنية وبدأت تراجع مواقفها السابقة».
غير أن هذا التراجع لا يبدو أنه قائم على أسس ثابتة؛ فقد برهنت السنتان الماضيتان أن المجتمع البحريني مهيأ للتماهي مع مشروع الانقسام الطائفي بكافة صوره البشعة، وقد يشكل هذا الحادث، مهما اختلفت التفسيرات التي ترجّح الجهة التي قد تكون وراءه، منعطفاً حقيقياً للأزمة الطائفية التي تشهدها البحرين، وخصوصاً في ظل الشحن الطائفي الذي يمارسه الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وفي طور ما برهنت عليه المعطيات في الارض؛ اذ شهد اليومان الماضيان عمليات تخريب لبعض المساجد الشيعية رداً على تفجير الرفاع، الذي وقع أمام مسجد سني، وهو ما ينذر بأن الأحداث قد تتجه الى منزلق يهدد السلم الاهلي، إذ ما استعملت هذه الورقة، او هدد بها لتضييق الخناق الأمني على الاحتجاجات الجارية في الوقت الحالي والممهدة لموعد «تمرد».
يبقى بعد هذا العرض الاشارة الى مجموعة من الخيوط التي قد تشكل عنصراً رئيسياً في نسج السيناريوات السياسية القادمة، وهي تتمثل في ثلاثة مكونات: أولها تصريح الأمين العام التقدمي للصحف البحرينية قبل أسابيع، الذي قال فيه ان البحرين مقبلة على حل سياسي قبل نهاية هذا العام، وثانيها اختيار الباحة المقابلة للسفارة الاميركية موقعاً لـ«تمرد»، وثالثها سكوت السفارة الاميركية في البحرين عمّا جرى ليلة الاربعاء، اذ لا تسجل الصحف المحلية ولا الموقع الالكتروني الرسمي للسفارة موقفاً مما جرى، علماً بأن نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف «أدانت بشدة» التفجير.
وعن مآل الأحداث، يتساءل معارض بحريني حالم عن مصير الحركة الاحتجاجية، قائلاً: «هل من الممكن أن تتحرر الحركة الاحتجاجية من سجنها الطائفي وتؤسس حركة وطنية قائمة على صراع طبقي مع سلطة باتت جاثمة على صدر شعبنا».