فتح إعلان الاتفاق على استئناف المفاوضات باب التساؤل حول ما إذا كانت تستند الى تفاهمات سرية أو صيغ ضبابية سيتم إخراجها في الاجتماعات التي سيعقدها الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني في واشنطن الاسبوع المقبل، وإلا لن تكون الاجتماعات في العاصمة الاميركية سوى استمرار للجهود التي كان يقوم بها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، لتحديد الأسس التي ينبغي الاستناد اليها في المفاوضات. المؤكد أن أي استئناف للمفاوضات، من دون الاستناد الى مرجعية صريحة ومحددة على اساس عام 67، سيشكل تنازلاً آخر من السلطة الفلسطينية، وإنجازاً إضافياً وحقيقياً لبنيامين نتنياهو الذي تفاخر أمام وزرائه المشككين بالقول «أنزلتُ الفلسطينيين عن شجرة الشروط المسبقة، ولن أوافق على تجميد بناء آخر في المناطق، ورفضت الافراج عن 120 سجيناً قبل بدء التفاوض، ولا ذكر لخطوط 1967». في كل الاحوال، ما تمكن وزير الخارجية الاميركي من تحقيقه مثّل اختراقاً للجدار الذي حال دون استئناف المفاوضات منذ ثلاث سنوات، وهو ما يدفع الى التساؤل عن اتفاقات وتفاهمات سرية صاغها وأخرجها الوسيط الاميركي، الذي قرّر على ما يبدو تعيين الدبلوماسي مارتين إنديك رئيساً للطاقم الأميركي في المفاوضات المزمع عقدها.
في هذا السياق، كشف المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، عن أن الحديث يدور عن «رسالتين جانبيتين وقّع عليهما الرئيس الاميركي، الاولى موجهة الى أبو مازن والاخرى الى نتنياهو، فيما الوثيقة الثالثة هي وثيقة المبادئ الموجهة للتفاوض والرابعة هي رسالة دعوى».
واضاف فيشمان أن «الجدل انحصر في قضيتين: تجميد البناء في المستوطنات، والمفاوضات على أساس حدود عام 67. في ما يتعلق بالقضية الاولى، لم توافق اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الصيغة الاميركية الاسرائيلية بشأن «تجميد صامت» للبناء من خارج الكتل الاستيطانية، فيما طلبت التزاماً واضحاً من إسرائيل بأن تدخل التفاوض على أساس حدود عام 67. ونتيجة ذلك، كان القرار الفلسطيني الذي سبق إعلان استئناف المفاوضات: «نحن مقبلون على فشل، وعليه ينبغي أن نحارب إسرائيل في الامم المتحدة والمحكمة الدولية، وأن تعلن الجامعة العربية قطيعة مع إسرائيل الى أن يدركوا هناك أنه يجب استبدال نتنياهو».
في هذا الوقت، اتجه كيري الى تكتيك آخر، مستنداً الى ممارسة ضغوط شديدة كانت نتيجتها، بحسب فيشمان، أن تبدأ المحادثات في واشنطن، وهناك فقط تعرض الوثائق النهائية، «أي بعبارة أخرى، لا يوجد أي عناوين تلزم أياً من الطرفين». ويرى فيشمان أن كيري يراهن على أنه الى ذلك الحين سيضعف طرف من الطرفين وينتج صيغة متعلقة بحدود عام 67، مقدراً أن مجرد الموافقة على التوجه الى التفاوض يقلل من احتمالات الانفجار.
وبحسب صحيفة «معاريف»، يبدو أنه تمت الموافقة على موقف نتنياهو بشأن عدم تضمن الخطاب الافتتاحي الاميركي لاستئناف المحادثات أي ذكر صريح لحدود عام 67. ولكي يوافق أبو مازن على ذلك، يحتمل أن يكون نتنياهو أعطى كيري ضمانات سرية، احتملت الصحيفة أنها خطية، على شاكلة وثيقة من دون مفعول قانوني، بأن تجري المحادثات على هذا الاساس. لكن «نيويورك تايمز» احتملت في المقابل أن يتضمن الافتتاح الاميركي للمحادثات ذكر حدود عام 67 والاعتراف بالدولة اليهودية، من دون أن يوافق أو يرفض نتنياهو أو أبو مازن ذلك.
«وول ستريت جورنال» نقلت عن مساعد رفيع المستوى للرئيس محمود عباس قوله إن «كيري أخبر الزعيم الفلسطيني أنه أتى بتعهدات جديدة مضمونة من السيد نتنياهو خلال اتصال هاتفي دام نحو ساعتين بينهما الجمعة».
وأضاف أن «وزير الخارجية الأميركي أبلغ عباس أن الحكومة الاسرائيلية وافقت على وقف هادئ للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، لكنها لا تريد أن تقوم بإعلان بشكل عام بهذا الشأن»، مشيراً إلى أن نتنياهو أيضاً تعهد بإطلاق أسرى فلسطينيين قبل اليوم الأول من المحادثات في واشنطن. وبحسب المصدر نفسه، أعطى كيري أبو مازن ضمانته الخاصة أن المفاوضات ستُستأنف على أساس حدود عام 1967.
أما في ما يتعلق بالاسرى الذين طالبت السلطة بتحريرهم قبل استئناف المفاوضات، فقد أعلن وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية والدولية، يوفال شطاينتس، أن «نتنياهو وافق على تحرير سجناء، بينهم من نفذ عمليات قاسية وتم سجنه قبل اتفاقات أوسلو». لكن صحيفة «وول ستريت جورنال»، أكدت أن نتنياهو تعهد لكيري بتحرير نحو أربعين أسيراً على الاقل هذا الاسبوع. لكن مسؤولاً رفيعاً أكد أن «تحرير السجناء لن يبدأ الا بعد بضعة اسابيع من المحادثات وبشرط أن يبدي الفلسطينيون جدية خلالها». في المقابل، نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو عنه قوله ان اسرائيل ستحرر 85 أسيراً قاموا بعمليات ضد اسرائيل قبل اتفاقات اوسلو، موزعين على عدة دفعات، على ان تكون الاولى في غضون 4 الى 6 اسابيع.
أما صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فقد اشارت الى ان «كيري وجد حلاً خلاقاً لمعارضة الاجهزة الامنية الاسرائيلية الافراج عن معتقلي ما قبل اوسلو، يستند الى «الكمية بدل النوعية». وبموجبه، ستفرج اسرائيل عن نصف سجناء ما قبل اوسلو، وجميعهم محكومون بالمؤبد، وبدل النصف الثاني سيتم اطلاق سراح 200 الى 300 سجين آخر، من فترات متأخرة عن ذلك. وسيجري تحريرهم على دفعات متتالية خلال اسابيع، وبحسب تطور عملية التفاوض».
في كل الاحوال، بادر نتنياهو الى إضفاء بعد استراتيجي على اتفاق استئناف المفاوضات، مقرّاً في الوقت نفسه بوجود عقبات حقيقية امام التوصل الى اتفاق حول القضايا العالقة. ورأى ان «استئناف عملية السلام يصبّ في المصلحة الحيوية الاستراتيجية لإسرائيل»، مشدداً على ضرورة «محاولة وضع حد للنزاع بيننا وبين الفلسطينيين نظراً إلى التحديات التي تواجهها اسرائيل، خاصة تلك التي مصدرها إيران وسوريا». واضاف نتنياهو ان «المفاوضات ستكون صعبة»، لافتاً الى أن أي اتفاق بين الطرفين سيكون ثمار تنازلات متبادلة. وحدد نتنياهو هدفين اساسيين يسعى لتحقيقهما: «منع تشكل دولة ثنائية القومية بين نهر الاردن وبين البحر، الى جانب منع اقامة دولة ارهابية برعاية ايرانية». ورأى «إننا سنضطر الى ايجاد توازن بين هذين الامرين، وشركاؤنا في المفاوضات سيضطروا الى القيام بتنازلات تسمح لنا بالمحافظة على أمننا وعلى مصالحنا الحيوية القومية».
وكرر نتنياهو التزامه بما سبق أن أعلنه مراراً، بأن يتم عرض أي اتفاق يتم التوصل اليه على الاستفتاء الشعبي، مبرراً ذلك بأن قرارات في هذا المجال لا يتخذها هذا الائتلاف الحكومي أو غيره.
لكن في ما يتعلق بالجانب الاهم بالنسبة إلى نتنياهو، في المرحلة الحالية، وهو ردود فعل اليمين المتطرف داخل حكومته وحزبه، لم يعقب إعلان استئناف المفاوضات أي ردود فعل دراماتيكية، من قبل هذه الجهات، بل ما زال الائتلاف الحكومي يتمتع باستقرار ولا مؤشرات حالية على أي مفاجآت، على الرغم من كل التحذيرات والمواقف الهجومية السابقة.
فقد عبّر رئيس البيت اليهودي ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، عن رضاه عن عدم وجود شروط مسبقة للمفاوضات، داعياً الى إبعاد الاوروبيين عنها. كذلك أعلن وزير الاسكان والرجل الثاني في كتلة البيت اليهودي، أوري أريئيل، أن التقارير التي تحدثت عن التزام إسرائيلي «هادئ» في تجميد البناء في المستوطنات، ليست إلا «خطأً قاسياً» ولن تنفذها وزارته.
لكن رئيس حزب اسرائيل بيتنا المشارك في الحكومة، أفيغدور ليبرمان، أكد «أهمية ادارة مفاوضات، والاهم انها ستجري على اساس الواقع بدون أوهام»، مذكراً بمواقفه السابقة بأن النزاع الاسرائيلي الفلسطيني غير قابل للحل، على الاقل في السنوات المقبلة.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر سياسية اسرائيلية قولها إنه لن يكون هناك تجميد بناء في المستوطنات والمفاوضات ستُستأنف بدون شروط مسبقة.



طهران تعارض و«الجامعة» تشكّك

أعربت إيران أمس عن معارضتها لاستئناف المحادثات الاسرائيلية الفلسطينية بوساطة أميركية، بينما أكدت جامعة الدول العربية تأييدها الموقف الفلسطيني في ما يخص إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عن اتفاق لاستئناف مفاوضات السلام، في حين أبدت شكوكها في النيات الاسرائيلية تجاه هذه المفاوضات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس عراقجي، إن «طهران والجماعات الفلسطينية تعرب عن معارضتها للخطة المقترحة، ومن المؤكد أن النظام الصهيوني المحتل لن يوافق مطلقاً على الانسحاب من الاراضي المحتلة».
وأضاف أن «التجارب السابقة تظهر ان النظام الصهيوني المحتل ليس مستعداً لدفع ثمن السلام، لأنه نظام يقوم على اثارة الحروب والاحتلال».
بدوره، قال الأمين العام المساعد في الجامعة العربية لشؤون فلسطين والاراضي العربية المحتلة، محمد صبيح، «إن الجامعة العربية تشكل شبكة أمان سياسية للجانب الفلسطيني في حال قبوله الذهاب الى المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي». وأوضح ان الجامعة العربية «تشكك في النيات الاسرائيلية وتنظر في شيء من الايجابية الى تحركات الوزير الاميركي، والجامعة العربية تراقب بشكل دقيق الموقف الاسرائيلي».
(أ ف ب، الأخبار)