القاهرة | «عقارب الساعة تلامس السابعة، السكون الحذر يخيم على المناطق الحدودية بسيناء. استعدادات محفوفة بالمخاطر لتناول وجبات الافطار الرمضانية. عيون عسكرية تراقب التحركات وتنصت لتحركات الرمال وحفيف أوراق الشجر، وفجأة يملأ سماء المحافظة الحدودية ضجيج طلقات الرصاص وصواريخ الهاون والغراد، لتصيب الرشاشات الطائشة صدور المجندين المرابطين على دباباتهم في الثكن العسكرية والنقاط الامنية لينالوا نصيبهم من الشهادة أو الاصابات المتفرقة»، مشهد اعتاده أهالي المنطقة الشرقية المتاخمة للحدود المحتلة من العدو الصهويني. ورغم معرفتهم بوعورة الطرق الجبلية، غير أنهم أجبروا على احترام الاستراتيجية الامنية والعسكرية، التي تنفذها المؤسسات لتضييق الخناق على المسلحين المتسللين الى الأراضي المصرية في توقيت استثنائي. استراتيجية الجيش، التي وضعها وأشرف عليها قائد الجيش الميداني الثاني اللواء أحمد وصفي، تقوم على «تضييف الخناق» على المسلحين المختبئين خلف ستار ديني متشدد وجهادي، بحيث يجري اغلاق منافذ الدخول والخروج، ومن أجل نفاد مؤن العيش والذخيرة التي يحتاجونها لإثارة البلبلة، جراء الحصار الأمني والعسكري، ثم يتساقطون الواحد تلو الآخر على نحو آمن، وفق ما تقول مصادر عسكرية المطلعة لـ «الاخبار».
صعوبة التعامل مع الخارجين على القانون تتمثل، بالنسبة إلى الجيش، في اختبائهم بين الأحياء السكنية التى يقطنها مدنيون، حيث يصعب أن تدار «حرب نظامية مع مسلحين متدربين». لذلك، ما يحدث في سيناء، وفي المنطقة الشرقية تحديداً، يطلق عليه «حرب العصابات». وفي هذا السياق، يشير الخبير الأمني، هاني الاعصر، في حديث لـ «الأخبار»، الى أهمية تعاون القبائل العربية مع أجهزة المخابرات العامة والحربية لتحديد أماكن الهاربين والمتسللين الى الاراضي المصرية، والتدقيق في أسباب وجودهم، وبيان مدى تورطهم في الاعمال التخريبية، مشيراً إلى أن عنصر الوقت للجيش المصري حاسم ومصيرى بسبب تساقط شهداء من المؤسسة العسكرية على نحو دوري أو من المدنيين أخيراً، بعدما استهدفت الجماعات المسلحة منازل المدنيين لإثارة الفزع.
الناشط السيناوي سعيد أعتيق، ابن قبيلة السواركة، يقول لـ «الأخبار» إن هناك «تنظيماً خاصاً للاغتيالات» في منطقتهم الحدودية، يشن أكبر حملة تصفية ضد كل أهالي شبه جزيرة سيناء المعروفين بتعاونهم مع الأجهزة المعلوماتية والامنية. ويوضح أن «حملة التصفية تستهدف هذه الايام جموع الشباب الذي ساعد على إمداد الاجهزة السيادية بالمعلومات، وكان آخرها تصفية شابين من رموز الحركة الوطنية السيناوية»، عرف عنهما تعاونهما مع الجهات المختلفة لرصد بؤر المسلحين والجماعات الارهابية في منطقة شمال سيناء.
ويتابع ابن قبيلة السواركة أن «استشهاد الشابين جاء بواسطة تفريغ خزنة بندقية كاملة في جسد كل واحد منهما» أثناء خروجهما من منزليهما، الذي كان متزامناً تقريبا بسبب ارتباطهما بحضور موعد تنسيقي مع أحد العناصر الامنيين، لافتاً الى أن الاسم المشاع عن هذه السيارة هو «سيارة الموت». يضيف إن «مواصفات السيارة التي أقلت قاتلي الشابين تتطابق مع مواصفات السيارة التي خطفت مجدي لمعي، الرجل القبطي الذي ذُبح بهدف إخافة المواطنين»، مشيراً الى أن السيارة «تايلاندي بيضاء لا تحمل أرقاماً أو علامات 2 كابينه»، وأن هوية الملثمين في هذه السيارة لا تزال مجهولة بالنسبة إلى عموم السيناوية، وخاصة أن هناك تربصاً على نحو واضح من قبل أهالي القبائل العربية بالمسلحين والمجرمين والارهابيين، بعدما عاثوا في أراضيهم فساداً وتحولت المنطقة الشرقية لمصر إلى خلايا نائمة للمتطرفين، الذين يرفعون راية الاسلام بدعوى الجهاد.
الخطورة الحقيقية، كما يراها الخبير الاستراتيجي اللواء مختار قنديل، تتمثل في حصول بعض المسلحين على شفرات الاجهزة اللاسلكية لبعض وحدات الشرطة والمرور والأمكنة الثابتة والمتحركة في سيناء، مشيراً الى أن السبب يعود الى ما خلفه النائب الاول لمكتب الارشاد المهندس خيرت الشاطر من فساد واضح في جهاز الامن الوطني، بسبب استعانته بعدد من أتباعه في هذا الجهاز الدقيق جداً، وهو ما جعل ملاحقة وتعقب الضباط والجنود أمرا سهلا على المسلحين. غير أنه يضيف في حديث لـ «الأخبار» إن «قيادة الجيش الميداني الثاني نجحت في احباط هذا المخطط بتغيير كلي في التحركات أخيراً».
وتبقى عقبة وحيدة تنحصر في حصول أكثر من 20 الف مواطن أجنبي على الجنسية المصرية، بسبب سرقة ماكينة الرقم القومي وتهريبها عبر الانفاق الى قطاع غزة، حسب ما يقول الخبير الاستراتيجي أحمد عبد الحليم، مشيراً الى أن هذا الأمر أدى الى تشتيت الانتباه. وهذا الأمر يؤكد، بحسبه، أن المسلحين على دراية ومهارة عالية بدورب صحراء شمال سيناء، غير أن خريطة التعامل مع الخارجين على القانون تبقى نقطة فارقة في تحديد الهوية المصرية، وذلك نتيجة تسريب معلومات أكيدة عن تورط قيادات إخوانية كانت قريبة من مراكز صنع القرار في الحكومة المعزولة في اعتداءات سيناء، وهو ما أكدته التصريحات المختلفة لقياداتهم.
إضافة الى ذلك، فان نجاح القوات المسلحة في إجهاض محاولات تهريب الاسلحة والذخيرة والسلع الاستراتيجية عبر الانفاق، حيث جرى إغلاق أكثر من 75 في المئة منها، ساهم على نحو كبير في تضييق الخناق على المسلحين وطرق إمداداتهم بالأسلحة.
وفي آخر الهجمات، شن مسلحون هجوماً على نقطة الشلاق العسكرية، ادى إلى سقوط قتيلين و٤ جرحى.