قد يكون رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تمكن من تسجيل نجاح سياسي داخلي في إمرار الموافقة على تحرير عشرات المعتقلين الفلسطينيين، خلال جلسة الحكومة. لكن الأهم بالنسبة إليه أنه تمكن من استبدال الثمن الذي كان من المفترض أن يقدمه لاستئناف المفاوضات، إذ بدلاً من أن تكون الضغوط موجّهة نحو إجرائها على أساس حدود عام 67، نجح في حرفها نحو تحرير عشرات الأسرى، الذي كان من المفترض أن يتم على الأقل منذ اتفاق أوسلو.
ورغم تعبيره عن الشعور بالألم وصعوبة اتخاذ قرار بتحرير معتقلين يصنفون في الوسط الإسرائيلي على أن «أيديهم ملطخة بالدماء» اليهودية، غير أن ذلك لا يخفي حقيقة المناورة السياسية التي مكنته من نقل الكرة الى الطرف الفلسطيني الذي بات مطلوباً منه أميركياً وإسرائيلياً، الإقدام على خطوات مقابلة يثبت من خلالها جديته وعزمه على السعي الحثيث للوصول الى اتفاق مع الطرف الإسرائيلي.
وصادقت الحكومة الإسرائيلية، أمس، على استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وعلى مسودة قانون أساس الاستفتاء الشعبي، وعلى الإفراج عن 104 أسرى فلسطينيين. وأيد هذا القرار 13 وزيراً، بينما عارضه 7 وزراء، فيما امتنع وزيران آخران عن التصويت، رغم أن تحرير الأسرى لن يتم إلا على أربع مراحل، وبما يتناسب مع تقدم المفاوضات، مع ما ينطوي ذلك على ابتزاز للطرف الفلسطيني.
بموازاة ذلك، فوّضت الحكومة طاقماً برئاسة نتنياهو، وعضوية وزيرة القضاء تسيبي ليفني، ووزير الدفاع موشيه يعلون ووزير الأمن الداخلي يتسحاق أهارونوفيتش والوزير يعقوب بيري، بتحديد أسماء المعتقلين الذين سيتم الإفراج عنهم.
وفي ما يتعلق بالمعتقلين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، أعلن نتنياهو أن أي قرار بتحريرهم سيطرح مجدداً على الحكومة لإقراره.
وفي محاولة لاحتواء بعض الأصوات الحكومية والشعبية المعارضة، عبّر نتنياهو عن صعوبة اتخاذ قرار كهذا، سواء بالنسبة إليه أو لوزراء الحكومة، وخاصة بالنسبة إلى العائلات الثكلى التي «أنا من بينها»، مبرراً ذلك بأن هناك لحظات تفرض على المسؤول اتخاذ قرارات صعبة لمصلحة الدولة.
ولجهة قانون الاستفتاء، اعتبر نتنياهو أن كل اتفاق، إذا تحقق في المفاوضات، سيطرح للاستفتاء الشعبي، معتبراً أن «من الأهمية أن يصوت كل مواطن إسرائيلي على قرارات مصيرية كهذه، بشكل مباشر وفي موضوع يحدد مستقبل الدولة».
وبرزت خلال الجلسة خلافات بين عدد من الوزراء حول موضوع تحرير الأسرى، إذ أكدت ليفني أن المستقبل سيحدد ما إذا كان هذا القرار تاريخياً، واصفة الجلسة بأنها الأهم بالنسبة إلى مستقبل إسرائيل. أما الوزير يسرائيل كاتس فقال لليفني إن «الإفراج عن المخربين هو خطأ، كما كان قرار تجميد أعمال البناء في المستوطنات خطأ في حينه، إذ إنه لم يؤدّ الى أي مفاوضات».
وكان نتنياهو قد وجّه رسالة مفتوحة الى الجمهور الإسرائيلي، تمهيداً لمصادقة الحكومة على قرار استئناف العملية السياسية وتحرير معتقلين فلسطينيين، أكد فيها على «أهمية دخول إسرائيل في العملية السياسية، سواء من أجل استنفاد سبل إنهاء النزاع مع الفلسطينيين أو تثبيت مكانة إسرائيل في الواقع الدولي المعقّد حولنا».
وربط نتنياهو موافقة إسرائيل على استئناف المفاوضات بالتغييرات الكبيرة في مصر وسوريا وإيران «التي تفرض تحديات جديدة أمام دولة إسرائيل، لكنها أيضاً تنتج فرصاً لا يستهان بها بالنسبة إلينا».
وفي السياق نفسه، رأى معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن قرار نتنياهو في «تحرير المعتقلين الفلسطينيين نابع من اعتبارات استراتيجية وأمنية وشرعية، رغم أنه بدا خضوعاً لتصلب فلسطيني وضغطاً سياسياً أميركياً». وأضاف «هناك سببان أساسيان وهامان وراء مواقف نتنياهو، الأول، وهو الأهم، يتعلق بتطور البرنامج النووي الإيراني، الذي بموجبه ستتحول طهران، حتى الربيع المقبل، الى دولة حافة نووية. وخلال هذا الوقت، بإمكان إسرائيل أن توقف البرنامج الإيراني إذا ما تلقت مساعدة شرعية من الغرب، وبشكل خاص من الولايات المتحدة. والسبب الثاني، أن استئناف المفاوضات يمكن أن يوقف مسار العزلة السياسية لدولة إسرائيل الذي تعزز في الأشهر الأخيرة وتحول الى تهديد استراتيجي فعلي على اقتصادها وعلى مواطنيها، ومن أبرز المؤشرات على ذلك قرار الاتحاد الأوروبي الأخير المتعلق بالمستوطنات».
على المستوى الفلسطيني، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات: «نرحب بقرار الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن الأسرى المعتقلين قبل اتفاق أوسلو، ونعتبرها خطوة هامة ونأمل أن نتمكن من استغلال الفرصة التي وفرتها الجهود التي بذلتها الإدارة الأميركية بالتوصل الى اتفاق سلام دائم وعادل وشامل بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي».