تونس | بعد يومين من تشييع المناضل الناصري التونسي محمد البراهمي الذي اغتيل على أيدي مجموعة قالت السلطات إنها تنتمي الى جهة إسلامية متشددة، تدخل تونس اليوم مرحلة سياسية جديدة بعد سنتين من رحيل النظام المخلوع، إذ يتوقع أن يقدم عدد من الوزراء استقالاتهم من حكومة علي العريض. غير أن وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية القيادي في «النهضة» سمير ديلو نفى في مؤتمر صحافي في وقت لاحق امس أنباء الاستقالات، قائلاً «إننا نواجه محاولة انقلابية منذ أيام».
ومن الأسماء التي يبدو أنها في طريق الاستقالة اليوم، وزير الخارجية عثمان الجرندي، والداخلية لطفي بن جدو، والعدل نذير بن عمو، وهؤلاء الثلاثة مستقلّون. أما وزير التربية سالم الأبيض (الوجه الناصري البارز) فقد قدم استقالته فعلياً إلى رئيس الحكومة، احتجاجاً على «فشل الداخلية في حماية صديقه ورفيق دربه البراهمي، أحد الرموز التاريخية للتيار القومي التقدمي».
الاستقالات حسبما تسرّب لن تقف عند الوزراء، بل ستشمل أيضاً بعض السفراء والقناصل الذين يرون أنه لا شرعية للحكومة بعدما استبيح دم التونسيين، إذ سقط شهيد آخر من الجبهة الشعبية في مدينة قفصة، هو محمد المفتي، أثناء الاحتجاجات السلمية على اغتيال البراهمي، والتي عمّت كل مدن البلاد وجهاتها. وصباح السبت استيقظت العاصمة تونس على نبأ انفجار قنبلة محلية الصنع تحت سيارة أمن كانت رابضة أمام مركز الشرطة البحرية في ضاحية حلق الوادي. وفي بيان، أعلنت وزارة الداخلية أمس انه تم إلقاء القبض على شابين متورطين في هذه الجريمة، وهما من التيار الديني المتشدد. ورأت المعارضة التونسية أن هذه العملية هي محاولة للترهيب ورسالة للمحتجين والغاضبين تؤكد إمكانية دخول البلاد في الفوضى في حال نجح الضغط الشعبي في حل المجلس الوطني التأسيسي وإقالة الحكومة. وبعد تأبين البراهمي وسط تونس السبت، تحول آلاف التونسيين إلى ساحة المجلس التأسيسي وبدأوا اعتصام «الرحيل» الذي يتقدمه سبعون نائباً أعلنوا انسحابهم من المجلس، فيما شهدت محافظة سيدي بوزيد مواجهات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين.
ورغم حصولهم على ترخيص قانوني لتنظيم الاعتصام، هاجمت ميليشيات حركة النهضة و«رابطة حماية الثورة» مدعومين بعملاء قوى الأمن جماهير الاعتصام وتم الاعتداء على النائب في المجلس عن «الجبهة الشعبية» المنجي الرحوي. وفككت الشرطة خيماً كانت ستستخدم في الاعتصام، وعمدت إلى فضّه بالقوة أمس. لكنّ المعتصمين عادوا من جديد ظهراً بعدد أكبر، بعدما التقى وفد منهم وزير الداخلية لطفي بن جدو.
في هذا الوقت، أكد ناشطون حقوقيون وبعض قيادات في جهاز الأمن، أن حركة النهضة أصبحت تسيطر على قاعة العمليات في وزارة الداخلية، وأنها تتحكم في نحو ٦٠٠٠ متعاون من المنتدبين الجدد منذ كان رئيس الحكومة علي العريض وزيراً للداخلية، وأن هؤلاء يتلقّون تعليماتهم من جهاز مواز.
لذلك، طالبت نقابات الأمن بإجراء تغييرات كاملة في جهاز قادة الأمن والإدارات العامة للأمن العمومي والاستخبارات.
وفي الجهات أيضاً، بادرت الحركات الشبابية مثل «تمرد» و«خنقتونا» والحركة الثقافية الثورية مدعومة من نقابيين وحقوقيين وسياسيين تحت مسمى «التنسيقيات الجهوية للإنقاذ»، إلى تنظيم اعتصامات أمام مقار المحافظات في سيدي بوزيد وصفاقس وسليانة والقيروان والمنستير سوسة.
وأعلنت هذه التنسيقيات عزمها على إغلاق المحافظات بداية من اليوم الاثنين، وعدم اعترافها بالسلطة الجهوية والمحلية. ويتوقع أن يساند الاتحاد العام التونسي للشغل اعتصام الرحيل بعد عقد هيئته الإدارية، في الوقت الذي انطلقت فيه المشاورات بين مكونات جبهة الإنقاذ الوطني من أجل تشكيل حكومة إنقاذ ولجنة خبراء لمراجعة الدستور وتنظيم الانتخابات في ظرف لا يتجاوز ستة شهور، على أن تلتزم الحكومة الجديدة بعدم الترشح للانتخابات المقبلة.
ورأت جبهة الإنقاذ، التي تضم معظم الأحزاب ذات الحضور الشعبي في الشارع والجمعيات، أن هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ تونس من حافة الحرب الأهلية التي قادت الترويكا إليها.
رغم هذه الأجواء الغاضبة، لا تزال الترويكا الحاكمة تصمّ آذانها عن هذه الاحتجاجات وتعتبرها «مؤامرة» و«دعوات انقلابية»، حسب وصف رئيس كتلة حركة النهضة الصحبي عتيق، في اجتماع مع أنصاره أول من أمس أمام المجلس التأسيسي. ورأى عتيق، صاحب التصريح الشهير «باستباحة دماء من يفكر في التمرد»، أن المعارضة خططت لانقلاب بعد جنازة البراهمي، لكنّ الجيش والأمن أحبطا هذا المشروع الانقلابي.
أما رئيس المجلس مصطفى بن جعفر، فقد توسل في بيان بثّه التلفزيون الرسمي، النواب المنسحبين للعودة، ورجا الطبقة السياسية التعقل والتخلي عن الدعوة إلى حل التأسيسي، محذراً من الفوضى، ومؤكداً أن تونس «على قاب قوسين من انتهاء المرحلة الانتقالية».