شيّع الآلاف من التونسيين أمس «شهيد الجمهورية» المناضل الناصري محمد البراهمي، إلى مثواه الأخير، الى جانب ضريح القيادي اليساري شكري بلعيد، بينما قدّرت وزارة الداخلية عدد المشاركين في الجنازة بنحو ثلاثين ألفاً لم يمنعهم الصوم ولا الحرارة المرتفعة من السير مترجلين على مدى كيلومترات من ساحة حقوق الإنسان إلى مقبرة الجلاز في وسط تونس العاصمة. وتولى تأبينه رئيس جمعية الحديث الزيتونية الشيخ فريد الباجي، والنائب المستقيل عن محافظة سيدي بوزيد أحمد الخصوصي بحضور قائد جيش البر اللواء محمد صالح الحامدي، الذي مثل الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي. وكان الآلاف قد استقبلوا جثمان الراحل أمام مستشفى شارل نيكول وسط العاصمة ورافقوا الموكب إلى بيته في ضاحية أريانة (شمالي العاصمة تونس)، حيث كان الآلاف في انتظاره. ثم حملته سيارة عسكرية إلى ساحة حقوق الإنسان ليستقبله عدد آخر من المشيعين الذين رفعوا أعلام تونس وفلسطين وسوريا. وهتفوا بشعارات تندد بحركة النهضة والإخوان المسلمين وبحكومة الترويكا.
كذلك هتف شبان من أنصار البراهمي النشيد الشهير الذي يتغنى به القوميون: «لبيك يا علم العروبة كلنا نفدي الحمى». ولم تنقطع الهتافات المنددة بحركة النهضة والتي تتغنى بالوحدة العربية التي أوقف البراهمي حياته على النضال من أجلها.
ورفعت صور البراهمي وبلعيد في جنازة حاشدة اختصرت الشعب التونسي بكل أطيافه، إذ جاء عدد كبير من المشيعين من محافظة سيدي بوزيد ومن أريافها الشرائح الفلاحية تحديداً، التي فتح لها البراهمي بيته وكان على علاقة طيبة معها.
وشارك في الجنازة معظم الطيف السياسي باستثناء الترويكا الحاكمة التي أعلنت عائلة البراهمي أنها لن تقبل تعازي أي منهم. وهو نفس موقف عائلة بلعيد في شباط الماضي.
وخُصِّصت سيارة عسكرية لنقل المصورين الصحافيين الذين وجدوا صعوبة كبيرة في التقاط الصور بسبب التدافع في الجنازة. مناسبة لم تعرفها تونس إلا في ثلاث جنازات في تاريخها: جنازة محمد المنصف باي الذي عزلته فرنسا من العرش في ثلاثينيات سنوات الاستعمار، وجنازة فرحات حشاد الذي اغتالته منظمة اليد الحمراء الفرنسية في ٥ كانون الأول ١٩٥٢، وجنازة شكري بلعيد في ٨ شباط الماضي.
في المقابل، تهجّمت صفحات أنصار حركة النهضة والسلفيين على مراسم الجنازة وعلى عائلة البراهمي؛ إذ انتقدت حضور النساء وشرب ابنه للماء في شهر الصيام، وهو ما اضطر العائلة إلى الرد على هذه التشويهات التي طاولت عائلة الشهيد. فابنه يعاني من المرض، فضلاً عن الظروف الخاصة التي تمر بها العائلة.
وشارك في هذه الحملة نجل رئيس الحكومة علي العريض، عبر صفحته على «تويتر»، حيث تعرض لهجوم عنيف من الناشطين على شبكة «الفايس بوك» الذين اعتبروا ما تنشره صفحات «النهضة» دليلاً على متاجرتهم بالإسلام واستهانتهم بالاغتيال.
من جهتها، ألقت أرملة الشهيد، وهي وجه ناصري منذ أيام الجامعة، مباركة عواينية البرهومي، كلمة دعت فيها إلى حل «الحكومة المتورطة في دماء الشهيد ومجلس العار الذي قاد البلاد إلى الخراب». واعتبرت ذلك مهمة نضالية لا بد من إتمامها.
يذكر أن تيار «أنصار الشريعة» أصدر بياناً تبرأ فيه من التهم التي وجهتها وزارة الداخلية للتنظيم في اغتيال البرهومي واعتبرت أن هناك نية لجعل تيار الشريعة كبش فداء وقد اضطرت الداخلية لإصدار بيان توضح فيه أنها لا تتهم أي فصيل سياسي في الضلوع في الجريمة.
نور الدين...